أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حزب العمل الشيوعي في سورية - الآن -العدد (31) أيلول 2005















المزيد.....



الآن -العدد (31) أيلول 2005


حزب العمل الشيوعي في سورية

الحوار المتمدن-العدد: 1321 - 2005 / 9 / 18 - 12:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


الآن • إلغاء احتكار السلطة وقيام نظام ديموقراطي معاصر لكل المجتمع.
• قيام أوسع جبهة عمل ديموقراطي علني وسلمي.
• مقاومة وإسقاط المخططات الأمريكية والصهيونية.
• حزب يساري من طراز جديد.
نشرة غير دورية تصدر عن حزب العمل الشيوعي في سورية Syria now @ Personal. Ro
العدد (31) أيلول 2005 سعر النسخة 25 ل.س
1 ـ الافتتاحية: المعارضة الديموقراطية ومواجهة اختبارات القمع السلطوي.
2 ـ التوترات الطائفية.
3 ـ تحديات المسألة الوطنية في سورية.
4 ـ مآخذ الرهان على الأمريكان.
5 ـ إضاءات المشهد السياسي.
6 ـ ثقافة الاستسلام.
7 ـ المشروع الأمريكي.
8 ـ غزة أولاً.
9 ـ تقرير المكتب السياسي.
10 ـ تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2004


المعارضة الديموقراطية ومواجهة اختبارات القمع السلطوي الجديد

فوجئ الجميع بسلسلة الإجراءات الأمنية الأخيرة التي استهدفت منع أي حراك، منع أي لقاء أو تجمع أو اجتماع كبير أو صغير.. داخل المجتمع أو وسط الحركة السياسية المعارضة منها بوجه خاص.
كان هناك اعتقاد أن السلطة ستهتم بوضع توصيات وقرارات مؤتمر حزبها موضع التنفيذ المباشر والجدي مع قناعة شاملة أن كل ذلك سيأتي من منظور مصلحة النظام وإعادة تكيفه على أرضية نهج احتكار السلطة وإدارة الأزمة بصورة متفردة ثم إعادة إنتاج ومفاقمة مجموعة الأزمات الداخلية.. خاصة أزمة الانتقال الديموقراطي.. كذلك أزمة العلاقة مع الخارج والعجز التام عن قطع الطريق عليه في دوره الاستقطابي الشديد الفعالية والخطورة في العمل الوطني السوري.
إن إجراءات النظام الآن تتميز بالشمول والتشدد، والمتابعة الملحاحة، كما تتميز بالطابع الشكلي قانونياً من خلال حصرها تقريباً بوزارة الداخلية والأجهزة التابعة لها، ومحاولة منع الاجتماعات بحجة عدم وجود تراخيص نظامية رسمية بذلك، كما تتميز بأنها لم تأخذ طابعاً عنيفاً.. ولم تدخل مجال الاعتقالات الواسعة.. أي بمجموعها وحتى الآن ليست شيئاً من الماضي.. مع ذلك خلقت حواراً خلافياً في تقييمها، وخلقت تشويشاً في كيفية التعاطي معها.
ـ نعتقد أن الأمر برمته يندرج في إطار عملية التناقض والصراع بين استراتيجية الإدارة الأمريكية والنظام.. بشكل خاص بسعي الإدارة لإنهاء دوره الإقليمي وصولاً إلى الآثار الناجمة عن عملية الانسحاب من لبنان... وفقدان نفوذه وهيبته .. وانتقال هذا إلى الوضع الداخلي.. من خلال تفاقم عملية الاستقطاب والانقسام الوطني بالتمفصل على العامل الخارجي.. استدعائه أو الاستقواء به.. أو الاستفادة منه ثم الكثير من التطورات والتفاصيل الهامة التي تؤكد تراجع هيبته.. كما فتحت وتفتح على احتمالات كثيرة لعمليات انفجار وانفلاتات مجتمعية وسياسية.. بدءاً من «الحلقة الكردية.. مروراً بأحداث مصياف والقدموس». كذلك العديد من ردود الفعل المجتمعية في القاع، والضعف الشديد في أداء مؤسسته الحزبية.. هكذا يجد النظام نفسه خائفاً من هذه الاحتمالات.. فقد يؤدي استمرار القرار الأمريكي تجاهه إلى سلسلة انفجارات ستفتح عليه مخاطر جدية.. وهذا هو جوهر ردود فعله. إذ يتكىء محتجاً بالمخاطر الواقعة على الوطن ليبرر بشكل خاص سياساته القمعية في مراقبة، ضبط، ومنع أي حراك، يخلط بذلك بوعي تام وانسجام كامل مع طبيعته وبنيته ونهجه، يخلط بين جملة الأسباب والظواهر واتجاهات الفعل والقول... فتصبح نتائج وآثار سياساته في إضعاف الوحدة الوطنية وبدء تفجر العصبيات المتخلفة مبرراً لوقف أي نشاط لقوى المعارضة الديموقراطية المفترض أنها تنطلق من نهج مختلف، وحرص شديد على منع مسببات الانفجار.. كما يفترض أنها القادرة بصورة أساسية (على الرغم من كامل وضعها الذاتي المؤسف وما فعله فيها النظام) على خلق فعل معاكس وإعادة المجتمع إلى العمل السياسي الديموقراطي وأسسه التوحيدية.
إن المرحلة الانتقالية الحرجة التي يعيشها النظام وجملة سياساته الدفاعية (من زيارة طهران وتطوير العلاقات مع العديد من البلدان بما فيه العلاقة مع السلطة الفلسطينية، والتقاط الأنفاس في لبنان عبر متناقضات القوى المعارضة، والدعاية الكثيفة للتجربة الماليزية وورشات العمل المشتركة بخصوصها..، وكامل التفاصيل الإدارية والحزبية والأمنية الداخلية)، بغاية إعادة نفوذه ودوره وهيبته لن تفعل سوى زيادة الاحتقانات.. ذلك بسبب الإصرار على عزل وتغييب المجتمع والقوى الديموقراطية بصورة قصدية، وإغلاق منافذ النشاط أمامها، تلك المنافذ التي تعتبر الأكثر ضيقاً واختناقاً وبؤساً في العالم، مع ذلك يغلقها كلياً.. مما سيؤدي إلى منع عمليات التقارب والارتقاء في وضع المعارضة الديموقراطية الوطنية وتشكيل قطب ثالث فعال، قادر على الإنقاذ، فالخطوط الحمراء التي يضعها النظام الآن لا حدود لها وتمثل شبكة أخطبوطية ستزيد في تعزيز أكثر الظواهر سلبية وتدفعها إلى المزيد من الاحتقان واحتمالات الانكسار والتفجر.
ـ إن إجراءات النظام القمعية بشكل خاص لا علاقة لها أبداً ولا تسمح بأي استنتاج أن هناك قراراً أمريكياً جديداً تجاهه.. أو أن مساومة مختلفة قد بدأت.. وأن الخيار الأمريكي قد تحول ليكون من داخل السلطة وهكذا توقفت الضغوط عليه ومحاولات ابتزازه مما يعني أنه «مرتاح» وسمح له بالعودة إلى القمع والاستفراد بالمجتمع والمعارضة .. بل على العكس من ذلك، إذ بسبب استمرار القرار الأمريكي وجملة الآثار التي خلقها وتخوفات النظام فإنه ينطلق إلى سياسة تكيفية جديدة أساسها القمع.. صحيح أن الشروط الأمريكية الصعبة جداً في العراق أجلت سيناريوهات وتكتيكات مختلفة تجاه سورية، وأدخلت الإدارة في إطار تكتيكات جديدة جوهرها اللعب على الزمن وعلى العوامل الداخلية.. وأعطت فرصة مختلفة للنظام إلاّ أنه عاد إلى طبيعته ونهجه والممارسات القمعية التي ستزيد في أزمة الوطن والمخاطر الواقعة عليه.
إن كانت هذه دوافع النظام.. واحتمالات نتائج ممارساته.. فعلى المعارضة الديموقراطية أن تتنبه بسرعة إلى كل هذا وأن ترتقي بعلاقاتها وتوحد صفوفها، أن تتنبه إلى خطورة سياسات النظام وخطورة الاستقطاب الجاري في الوطن، إن انقسام المعارضة هو الأمر الأكثر خطورة في هذه الظروف.. كما أن عزلها عن بعضها.. وعن المجتمع بسبب إجراءات النظام واحتمال تقصده بدفعها مجدداً إلى العمل السري وإيجاد مبررات جديدة للقمع، كل هذا سيساهم بجعلها أكثر ضعفاً (بينما يكفيها وضعها المدمر بسبب القمع المديد.. ووضعها الذاتي).. كما سيساهم بدفعها إلى النكوص والتراجع عن العمل العلني الديموقراطي الذي قطعت فيه بعض أشواط هامة.. وهكذا على المعارضة الديموقراطية أن تواجه الأمر أساساً وجوهرياً من منطلق المخاطر الواقعة على الوطن.. وفي الوقت الذي يجب أن نعمل فيه على منع أي تفجر مجتمعي، وأن نعزز عوامل الوحدة الوطنية.. وأن ندين أي تفجر ذا طابع ثأري متخلف.. فإن السلطة بالمقابل هي المسؤولة والمدانة الأول على نهجها وممارساتها.. وها هي تحاول إعادة دورة المفاعيل القديمة لممارساتها مجدداً، على المعارضة أن تعمل سريعاً على تشكيل هيئة سياسية مشتركة.. وأن تضع خطة عمل موحدة.. خوفاً من استفراد النظام بهذه القوة أو تلك. على المعارضة أن ترفض كلياً وقف النشاط وترك العمل العلني الديموقراطي في الشارع ومع المجتمع، عليها عدم الخضوع لسياسات النظام، وقطع الطريق عليه بالمزيد من التضييق وخنق عملية الانتقال الديموقراطي وإيصال مجموعات جديدة من النخبة إلى الإحباط والقناعة أن الحل الوحيد هو عبر العامل الخارجي.. المعارضة مدعوة لتجاوز هذا الاختبار الصعب ووضع النظام تحت الضوء وفضح تعنته واحتقاره للمجتمع والمعارضة ومفاقمة أزمة الوطن.


التوترات الطائفية، وخاصية العنف الديني في سورية

ساهم غياب تقرير المواطنين السوريين خلال العقود الأربعة المنصرمة لشؤونهم السياسية والاقتصادية والثقافية على نحو حر وديموقراطي ومؤسساتي حديث في استشراء ممارسات اللامبالاة والانعزال على المستوى الفردي والجمعي الضيق وحال دون قيام تواصلات بناءة وهادفة تعمل على ترسيخ المتحد الوطني الاجتماعي السوري من خلال انتظام قوى الشعب ونخبه وهيئاته المجتمعية المدنية في بنى حزبية سياسية حرة وبمعايير الحداثة وآفاقها التقدمية، تمنح الواقع الاجتماعي والسياسي العام دينامية التطور ويمنحها سبل التجدد وتجاوز جموديتها السياسية والفكرية. فليس من سبيل لتحطيم الدوغما السياسية والأفكار الظلامية المستعينة بفقه/علم «كراهية الآخر» سوى مجرى العملية الديموقراطية، التي لا تسمح باستنقاع الأفكار وممارساتها السياسية بقدر ما تتيح للفاعلين في تأمل تجاربهم وتقييمها نقدياً وتجاوز مشكلاتهم بأقل ما يمكن من الهزات المفترضة، وفي الآن نفسه لا تسمح بصياغة «لحظة تاريخية رومانسية» منحوتة في أذهان الفاعلين وجعلها ناظماً لممارساتها السياسية .
لقد أثبتت تلك الممارسات على قناعة أن السياسة شأن سلطوي حصري، في سياق مصادرة كل أشكال التفاعل الاجتماعي السياسي السوري والحراكات السلمية، الحزبية والشعبية عبر نهج القمع المعمم الذي تكرس في الثمانينات (الذي يسمح لنا بوصفه عقد الظلام السوري)، والتسعينات بأجواء «القمع القانوني»، مع ما رافق ذلك من انحطاط معنوي عام/ كناتج لتلك اللامبالاة والتي تحولت إلى قناعات إيديولوجية راسخة، تجد مرجعيتها في تاريخ الاستبداد الطويل على شكل أحكام وضوابط ونواهي، واستنفار أمثال شعبية متوارثة. هذا المناخ كان ـ ولا يزال ـ يدفع بأجيال شابة نحو ملا ذات آمنة تقيهم عسف السلطان وأجهزته الأمنية تلك الأجهزة التي عملت على تفكيك الأمن نحو مزيد من الشكوك وانعدام الأفق واللا أمن الاجتماعي الذي يعبر عن نفسه بالاستقرار الاجتماعي المخادع، ومن الطبيعي أن تجد هذه الجماعة أو تلك في سياق التحولات الدولية العاصفة والجمود الداخلي «العاصف» في الدين أهم ملا ذات البحث عن الهوية ما يؤمن لها توازنها الوهمي وطمأنتها الكاذبة ، وقد انتشلت منها هويتها الوطنية المعاصرة التي لم تشكلها العناصر الموضوعية للانتماء كالأصل المشترك واللغة والثقافة والدين، إنما تشكلها إرادة العيش المشترك ، تلك الهوية التي من شأنها أن تتجاوز خطاب الهوية العبثي نحو تحديد الفعالية المجتمعية والوطنية إلى آفاق الفاعلية الإيجابية في صنع التاريخ العالمي المعاصر بإسهام تشاركي.
ولأن الدين ـ أي دين ـ ليس مجرداً عن توضعاته الطائفية والمذهبية في سورية، سرعان ما يجد هذا الملاذ العمومي مسراه في أطر طائفية ذات مضمرات إيديولوجية وسياسية تستنفر على الدوام خطاب الهوية العبثي، وتضع الجماعة بمواجهة الآخرين في حالة عداء محتمل كامن أو فعلي، مُعينةً على إنتاج ثقافة كراهية «الآخر» وتخريب المتحد الاجتماعي والتاريخي للشعب السوري ، تلك الأطر الطائفية التي تحوّل ميراثها الديني إلى علاقة استقطاب وولاء سياسي في أفق الوعي الطائفي، ومركزة الفاعلين السياسيين فيه، واجهت شمولية الدولة وسلطتها بخصوصية الطائفة من خلال تعزيز تقاطع إرادة «قادة، ونخب» الطوائف مع مصالح الطبقة السياسية الحاكمة في البحث عن الضمانات التي تعيد إنتاج علاقات الولاء الطائفي عبر العلاقة مع سلطة الدولة، وبما يحقق موقعاً امتيازياً يؤول إلى علاقة تجاذب اجتماعي أتاح خلق اصطفا فات داخل الإطار الطائفي، وإنتاج عوامل التهميش داخلها لتخلق وعياً مضاداً لشمولية الدولة وسلطتها السياسية من موقع الإطار الطائفي عينه ويصير الوضع أكثر خطورة ـ كما جرى في الفعل اليومي ـ حين يلقى الوعي الطائفي تغذيته الراجعة ومناطق استثماره في نهج الطبقة السياسية الحاكمة المولدة لوعي الطوائف السياسي بحكم تركيبتها الطائفية، وإنتاج شروط ولاءاتها الخاصة بحكم تلك الطبقة، لتخلق على صورتها مجتمعاً متنافراً ومضاداً للنظام الاجتماعي ـ السياسي يقوم على إعادة إنتاج الاستقطابات وتنظيم المصالح المتأتية عنه لصالح «الأقوى» فئوياً وطائفياً واقتصادياً.
ولا بد أن تحفز تلك الاصطفافات على إنتاج أصوليات دينية عديدة المراجع الطائفية في مواجهة أصوليات السلطة والثروة والسوق التي يقيم في فنائها الخلفي أعداداً من المهربين والنصابين والقوادين والعنصريين ونجوم الإعلام ورجال الدين الحكوميين، أصولية في حالة العنف الكامن الذي يتغذى على كراهية «الآخر» طرداً مع سيرورات التهميش المادي والمعنوي لقطاعات عريضة في المجتمع السوري، هذا العنف الذي ينتظر «مواقيته» أو ساعة صفره لإعادة المجتمع والبلاد إلى أجواء العنف والعنف المضاد التي سادت بداية الثمانينات مما سيعمل على خلق استقطابات طائفية جديدة. سوف ينعكس هذا السياق الاحتمالي بمزيد من الخسران والتدهور لقوى الشعب السياسية والمدنية والأهلية، ومزيداً من القمع المعمم من جديد، وتردياً لأوضاع الشعب السوري مادياً ومعنوياً.
وبقدر ما تتراكم نذر الاختراقات الأمريكية في المنطقة العربية بشكل عام وسورية بشكل خاص، تتراكم موجة العداء المتفاقم لها، فإن هذا العداء سيكتسب طابع العداء الأصولي / المتعدد المرجعيات/ ويبعده عن مجرى تناقضه السياسي الوطني التحرري، مع حالة ضعف التيار الديموقراطي والوطني المعارض على خلق استقطاب سياسي مناهض للسياسة الأمريكية «وأصوليتها السوقية» ـ من اقتصاد السوق ـ الأمر الذي سيضعف إمكانات قيام تحالفات دولية ترتقي إلى مستوى التحدي السياسي المعاصر، هذا التحدي لا يمكن خوضه إلا تحت راية «المواطنة والوطنية» السورية التي سيكون من شأنها أيضاً قطع الطريق على صدام الأصوليات المحلية ـ الأمريكية لأنها لن تأتي إلا على تعزيز الهيمنة الأمريكية والصهيونية في المنطقة العربية، تلك الراية التي تضع الديموقراطية والعمل السلمي الديموقراطي والوحدة الوطنية الحقيقية وضرورة قيام النظام الوطني الديموقراطي في مقدمة برنامجها وأهدافها، إن ناراً تحت الرماد تعتمل القاع الاجتماعي. نرى من واجبنا دق ناقوس الخطر لمخاطر داهمة تحدق وطننا.
ما العمل: يجب تشكيل هيئة عمل اجتماعية ـ سياسية وطنية / ديموقراطية موسعة تضم فعاليات سياسية واجتماعية وأهلية قادرة على تطويق هذا التوتر الطائفي أو ذاك.. إن مهمة الدولة حاضرة هاهنا في صميم تلك الحالة ليس للانحياز إلى طرف دون آخر بل لمنع حصول أي صدام أو توتر.
وفي حال حصول «المكروه» عليها أن تقوم بواجبها ومسؤوليتها كدولة ناظمة عبر مؤسساتها الحكومية وليس عبر أجهزتها الأمنية التي تتسلل أدوات الطائفية برأسها لحرف المشكلة إلى صالحها وطرح نفسها كطرف في القضية، ونقترح في هذا المستدرك تشكيل هيئة اجتماعية وطنية مهمتها التدخل السريع والفوري لتطويق ذيول أي توتر طائفي والعمل على مواجهة أقطاب التصعيد من أي طرف كان.. إن تلك الهيئة الوطنية لا تستثني فعاليات أهلية مؤثرة، تضع خطة عمل متحركة قادرة على إغلاق كل مصادر التوتر من ناحية وفتح كل أبواب الحل الممكنة.


تحديات المسألة الوطنية في سوريا
1 ـ تمهيد:
إذا كانت بعض النقاط المثارة لاحقاً تخص المسألة الوطنية، فإننا على نطاق أعم نرى أن من واجب جميع التنظيمات والأحزاب السياسية الالتفات إلى القضايا التفصيلية للمجتمع، وعلى قدر يوازي أو يفوق الانتباه إلى العوامل الخارجية. ولعلنا هنا نزكّي المحاولة المدفوعة الثمن للناشط السياسي رياض سيف في تسليطه الضوء على صفقة الخليوي، ونذكّر بالصدى الواسع الذي لاقته هذه الدراسة على ما فيها نواقص، ونتمنى على التنظيمات ـ التي يفترض أنها أقدر من الأفراد ـ أن تبادر إلى إثارة القضايا المعيشية للمجتمع، واقتراح الحلول المناسبة لها، إن لم يكن على شكل برامج حزبية، فعلى الأقل على شكل بيانات أو نشرات أو حلقات بحثية تطرح للتداول العام، بدلاً من الإشارة المتكررة إلى عزوف المجتمع عن السياسة، فعزوف المجتمع عن السياسة لا يُحلّ بعزوف النخب السياسية أو ترفعها عن القضايا المعيشية الأساسية. ولكي لا نستطرد في العموميات سنشير إلى بعض الأمثلة:
1 ـ لم تتوقف سياسة إفقار المجتمع، بل تسارعت على أكثر من صعيد. وتجلّى ذلك خصوصاً في تخلّي الدولة عن دورها الاستثماري دون خلق مناخ استثمار صحي للقطاع الخاص، بل شهدنا في أهم القطاعات انتقالاً من اقتصاد الدولة الاحتكاري إلى اقتصاد السوق الاحتكاري، وليس إلى اقتصاد السوق الحر. ونعتقد أن قضية بهذا الحجم تستحق أن تدرج على سلم الأولويات.
2 ـ على الرغم من الأثر الفادح لمسألة السكن في سوريا، والغلاء الفاحش المستجد، لم تبادر جهة سياسية إلى تشخيص السياسات الخاطئة التي أدت إلى الأزمة، أو حتى إلى شيوع أنماط غير لائقة إنسانياً من السكن، ومن ثم تقديم رؤيتها في حل قضية تؤرق نسبة كبيرة من الشعب السوري.
3 ـ لا أحد يجادل في رداءة النظام التعليمي في سوريا، ومع هذا لا نجد تشخيصاً واضحاً يقدم رؤية وحلولاً لخدمة أساسية مثل التعليم.
4 ـ وكما في كل مكان فإن الفساد من العوامل المخربة للقطاع الصحي، وبغض النظر عن ذلك فإن النظام الصحي بتركيبته الحالية لم يعد نظاماً صالحاً، وهنا أيضاً المسألة تحتاج إلى تفكير، وتقديم رؤية جديدة لها.
5 ـ قضية البطالة وذيولها، ماذا تقترحون بشأنها؟ أهناك من يملك حلاً واقعياً لها؟
6 ـ التوزيع غير العادل للدخل والإنفاق الحكومي، فحتى بعد اقتطاعات الحصص المقررة للفساد هناك توزيع غير عادل للخدمات يتجلى بمحاباة مناطق ومدن على حساب مدن أخرى.
7 ـ ركزت بيانات قوى المعارضة خلال السنوات الخمس الماضية على المطالبة بإلغاء حالة الطوارئ، وعلى أهمية هذا المطلب لم تبادر هذه النخب إلى شرح مفاعيل هذه الحالة خارج الحقل السياسي، لخلق رأي عام حول هذا المطلب. وللمفارقة فإن السلطة، إذا صح ما قيل في مؤتمر حزب البعث، ستبادر إلى تحجيم حالة الطوارئ وقصرها على الحقل السياسي.
إن القائمة تتسع لمزيد من الأزمات التي توازي النقاط السابقة، أو تفوقها أهمية، وإن طرح هذه القضايا يشكل صلب العمل السياسي السلمي، فهو من جهة يبلور الوعي الضروري للواقع، ويراكم الخبرات الجديدة البديلة، ومن جهة أخرى يضع السلطة أمام استحقاقات تفصيلية لا تستطيع التهرب منها بالشعارات.
2 ـ وبالانتقال إلى المسألة الوطنية:
يبدو شعار «الوطنية السورية» شعاراً ناهضاً اليوم أكثر مما مضى، على الأقل أكثر مما كان في الأربعين سنة الماضية. ونعني هنا بهذا النهوض إعادة طرح المسألة الوطنية من قبل بعض النخب السياسية على أنها، أي المسألة الوطنية، خيار لم يتم اختباره، بل أقصي في ظل هيمنة الأيديولوجيات القومية والإسلامية والشيوعية. وبما أن الأيديولوجيات السابقة بطبيعتها عابرة للحدود، فإن المسألة الوطنية على ضيقها تبدو نوعاً من الانكفاء السياسي، على أمل الحفاظ على تقسيمات سايكس ـ بيكو السيئ الصيت والذكر في الوجدان القومي. وهذا الانكفاء الاضطراري ـ كما نرى ـ لن يكون مؤهلاً لتأصيل المسألة الوطنية، ما لم تعمد النخب السياسية إلى طرح الكثير من الأسئلة على الحوار المجتمعي، لأن المسألة الوطنية ـ بتعاملها الواقعي مع وطن قائم ـ تفترق عن الأيديولوجيات السابقة التي تؤجل الكثير من الأسئلة والإجابات إلى حين تحقق الوطن المنشود.
إن استحقاقات الشأن السوري أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، في ظل التغييرات العالمية والإقليمية. ولهذا أيضاً فإن سلة الأولويات السورية مليئة بالأثقال، وإذا قدمنا المسألة الوطنية على أنها خيار ناهض، فإننا نشير في المقابل إلى إمكانية تضاؤل فرص هذا الخيار، سواء من حيث الفرص الواقعية أو من حيث الفرصة الزمنية، ما لم يأخذ هذا الخيار فرصته من حيث الظروف الدولية والإقليمية المناسبة، أو من حيث الحاملين السياسي والاجتماعي لهذا الخيار. أما الظروف الدولية والإقليمية فلا يبدو العامل الداخلي فاعلاً ضمنها، ولهذا فإن مناقشة توجهاتها وخياراتها تأخذ بحسبانها السيناريوهات المحتملة للمنطقة، وتأثيراتها في الشأن الداخلي، وهنا يتبدى المثال العراقي بوضعه الراهن كنموذج محتمل، خاصة إذا ما ألحقناه بالنموذج اللبناني. ولعل إحدى المفارقات الهامة هي الالتقاء الظرفي لنظريات العولمة الجديدة، في نقضها لمفهوم السيادة، مع تشكيلات وبنى ما قبل الدولة اللتين تتعززان أكثر فأكثر في المنطقة، ونخلص هنا إلى أن المفهوم الوطني في تضاد، من هذه الناحية على الأقل، مع المشروع العالمي، فهو يذهب إلى بناء الدولة في وقت تنقض فيه النظريات والأفعال على أسس الدولة الوطنية، وفي طليعتها مفهوم السيادة.
ومع ذلك فإن التحدي الأصعب برأينا هو التحدي الداخلي أو الذاتي، لأنه الرهان الأصل، فالمسألة الوطنية لن تتحول مشروعاً إلا بانعتاقها من أسر الشعارات، واختبارها بالأسئلة الراهنة للمجتمع السوري. وبعبارة أخرى ستبقى المسألة الوطنية تطلعاً نخبوياً، ما لم يبنى المشروع الوطني على الحاجات التي يقررها المجتمع بأكمله، وما لم تشارك قوى المجتمع في طرح الأسئلة الواقعية وإيجاد الأجوبة أو التوافقات الواقعية عليها. ولهذا فإن دوراً أساسياً لحاملي المشروع الوطني يتجلى في طرح الأسئلة التفصيلية للحوار العام، دون الحرج أو الخوف من حساسية هذه الأسئلة، فالمشروع الوطني هو محصلة لهذه الأسئلة، لا سابق لها. ومع إدراكنا لطبيعة العقل السياسي السائد، الذي يتقاسمه القومي والديني، فإن المشروع الوطني لن يكون أقل من انقلاب أو ثورة على المفاهيم، مع ما لهاتين الكلمتين من صيت سيء، لكننا نستخدمهما هنا بمعنى القطيعة المعرفية. فأول ما ينبغي نقضه هو مفهوم الدولة ـ الأمة، حيث الأمة هي العرق، فقد ولى زمن الانصهار القومي بالشكل الذي رافق نشوء الدول في أوربا، وحتى في أوربا انفصل مفهوم الدولة عن العرق كما في عدة أمثلة منها سويسرا وبلجيكا. أما في النصف الثاني من القرن العشرين فقد انزاحت تسميات بعض الدول مثل ألمانيا وفرنسا عن معناها العرقي، لتكتسب معنىً اصطلاحياً يدل على الجغرافيا السياسية وحسب، إذ صار بإمكاننا ـ وببداهة ـ أن نتحدث عن فرنسيين عرب. ولعل أمثال هؤلاء المهاجرين من سوريا يكونون إحدى نقاط الانطلاق في حديثنا عن المسألة الوطنية، إذ ما الذي يدفع سوريّاً إلى الاغتراب في بلد بعيد جغرافياً وثقافياً؟ يمكننا إجمال بواعث هذه الهجرة بأمرين: الوضع الاقتصادي والوضع الحقوقي. ونفترض هنا أن ما يدفع غالبية الناس إلى اكتساب جنسيات جديدة هو أولاً البحث عن مستوى معيشي أفضل، وثانياً ـ وهذا لا يقل أهمية ـ هو الحصول على حقوق لا يمكنهم التحصل عليها هنا. فهل يعد المشروع الوطني بتلبية هذه الحاجات؟
نعتقد أن أي مشروع وطني لا يحمل وعداً بتلبية نسبة كبيرة من حاجات المجتمع لن يكتب له النجاح. وبصياغة أخرى فإن المشروع الوطني، في جانب من جوانبه، هو خلق مناخ ليفصح المجتمع عن حاجاته التنموية والثقافية، محاولاً إيجاد حلول مناسبة لها. وعلى قدر ما في هذا الكلام من بساطة وتبسيط، فإن الدخول في تفاصيله يفتح أبواباً لأسئلة قد لا تروق للبعض، وإذا كنا فيما سيلي سنركز على بعض الأسئلة الثقافية فإننا ندعو المهتمين بهذا الشأن إلى التفكّر بنوعية الأسئلة الأخرى، لنكتشف معاً الوطن الذي يتسع لأسئلتنا جميعاً.
تكاد النخب السياسية السورية تجمع على أهمية الديمقراطية، وهو مطلب حقّ بإطلاق. لكن إلى هنا وينتهي الإجماع، أي بالدخول إلى التفاصيل، فمن حالم بالديمقراطية العددية، إلى حالم بديمقراطية محاصصة على النمط اللبناني، وربما إلى حالم بانفصال أو تقسيم. وإذا أردنا تنحية هذه المآرب جانباً، وكنا أمينين لروح الديمقراطية، فهل يقبل المجتمع السوري بديمقراطية تبنى على أرضية قانونية واضحة، تتيح لأقلية عددية مهما صغرت فرصاً متكافئة مع الأغلبية. ولأهمية التشخيص سندفع بالأسئلة إلى حدودها القصوى من خلال حالتين:
1 ـ ظلت السلطة السورية لحوالي أربعة عقود متهمة من قبل أعدائها بالطائفية، وإذا كان لهذا الاتهام ما يبرره في الحقل السياسي، فإننا نلحظ في المقابل هيمنة الأغلبية السنية على المستوى الثقافي العام. فعلى سبيل المثال يدرس أبناء الطوائف الإسلامية جميعاً في سوريا كتاباً للتربية الدينية، يمثل وجهة النظر السنية بالنسبة للدين الإسلامي، ونحن نرى: إذا كانت غاية هذا المقرر هي التعريف الثقافي بالإسلام، فلا يجوز أن يهمل واضعو الكتاب فرقاً أخرى في الإسلام. وإذا كانت غاية المقرر هي الإرشاد الروحي، فمن حق أبناء كل طائفة ومذهب الحصول على الإرشاد الروحي الخاص بهم، إذا لم نذهب إلى القول بحق الطالب باختيار الإرشاد الروحي الذي يشاء، أو حتى تخليه عن ذلك. فإذا أقررنا بمبدأ التكافؤ فعلينا إما أن نتيح نفس الحقوق للجميع، أو أن نلغي تدريس هذه المادة.
مع إدراكنا لما في هذا الطرح من مغالاة بالمقارنة مع حالة شاذة أقل شأناً، لا يجرؤ الكثيرون على إثارتها، فمن المعروف أن مادة التربية الدينية تدخل في منهاج الشهادة الثانوية، ولا تحتسب درجاتها في القبول الجامعي، بينما تحتسب كمادة في حالة الرسوب، أي بما يخالف حتى مبدأ الثواب والعقاب، ولا نجد من يطالب بإلغائها من منهاج هذه السنة الدراسية، أو حتى تدريسها دون الامتحان بها.
2 ـ في مثال آخر: إذا أقررنا بحق الأكراد السوريين بالتعلم بلغتهم، فهل يذهب هذا الحق إلى السماح لهم بإنشاء مدارس خاصة على غرار الطوائف المسيحية السورية؟ أليس من متطلبات التكافؤ حق الأكراد وغيرهم من المواطنين في الحصول على النسبة ذاتها من الخدمات التي تقدمها الدولة، ومنها التعلم؟ لن نذهب إلى حد المطالبة بوجود أكثر من لغة رسمية للدولة، فهذا شأن آخر، ولكن التكافؤ يفرض أن تكون للجميع حصتهم في الخدمات التي تقدمها المؤسسات العامة، أي أن للكردي السوري الحق بإصدار كتاب باللغة الكردية عبر وزارة الثقافة، كما يفعل أي كاتب عربي، بينما النظم المعمول بها حالياً تقصر هذا الحق على العربية للسوريين ولغيرهم من العرب، وتحجبه عن مواطن سوري آخر لأنه يكتب بلغته! وللمفارقة فإن بعض الكليات تدرس في جزء من منهاجها لغات عديدة، ومنها الفارسية والسريانية والعبرية، ولا تدرس لغة القومية الثانية في البلاد.
قد تبدو الأمثلة السابقة ترفاً ثقافياً بالنسبة للبعض، أو أنها ليست من الأولويات، وليس هذا ما ندّعيه، لكننا إذا كنا في سبيلنا إلى التعاقد على ـ ومع ـ وطن اسمه سوريا، فعلينا أن نرى سلفاً ـ كمتعاقدين أحرار ـ أنه لا فضل لفئة على فئة. لقد أوجدتنا الأقدار في هذه البقعة الجغرافية، وسنعيش فيها اتصالاً أو انفصالاً، وكحال أي عقد فإن أفضل العقود هو أكثرها سدّاً للثغرات، وطالما أن حديثنا هو عن عقد مجتمعي فعلينا أن نفصّل في الحقوق والواجبات، لأن ميلنا إلى معرفة حقوقنا لا يوازيه دائماً ميل للاعتراف أو الدفاع عن حقوق الآخر.
وإذا كان الحديث عن التنمية المتوازنة لا يثير حفيظة أحد، فإننا نضيف إن التنمية البشرية من أهم فروع التنمية، والتوازن يقتضي أن يحصل المواطنون جميعاً على الحقوق ذاتها، بما فيها أقل الحقوق شأناً، وإلا سيبقى حديثنا عن الاعتراف بالآخر المختلف شعاراً أو لغواً. لهذا نرجو أن تُمتحن الشعارات بمزيد من الأسئلة، وكلما بادرنا إلى تشجيع هذا الحوار كلما كبرت مساحة المشترك، أما إذا تجاهلنا أسئلتنا فنحن ذاهبون إما إلى صيغ جديدة من الهيمنة، أو في أحسن الحالات إلى نظام محاصصة، وفي الحالتين نكون قد أعدنا جدولة أزماتنا، ولكن بنسبة عجز أكبر.
ليلى

لنناضل معاً من أجل انتزاع الحريات السياسية

لنناضل من أجل إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين في السجون السورية


مآخذ الرهان على الأمريكان

تتنازع أوساط سياسية الرغبة في ممارسة السياسة، ضمن أفق راديكالي جديد، عبر القفز عن أدواتها الداخلية الضرورية المتوسدة على الإرادة الشعبية المستقلة، في تقرير مصائرها، في الرهان على التقدمات الأمريكية في إدارة الصراع الإقليمي القابل لتحقيق تغيرات سياسية، ومن خلال مشروع السيطرة الأمريكية على المنطقة العربية، وفق منظورات إيديولوجية لا تمعن النظر في ضرورة قراءة الممارسات المادية للقوة العظمى وآليات تسويق نفسها بالالتفاف على حقيقة مراميها وأهدافها المعلنة التي تتداخل خطوط الحرب على الإرهاب فيها مع خطوط الحرب من أجل (الحرية والديموقراطية) ويبدو التناقض جلياً بأن مواجهة الإرهاب داخل الولايات المتحدة اقتضت قضماً منهجياً للحريات المدنية الفردية والعامة داخل الولايات المتحدة فما بالنا بمصير الحريات في بلداننا تحت راية هذا الهدف المنشود والبحث عما يمكن أن يتبقى من مشاريع ديموقراطية أصيلة ناهضة بقيادة قوى المنطقة المستقلة عن نظمها الاستبدادية، والدور (الشرطي العالمي) للولايات المتحدة، ووفق هذا المنطق ثمة انتقال سياسي من دائرة حرق المراحل التي اشتغل بها اليسار الراديكالي طويلاً إلى دائرة «حرق الأدوات» في أفق التغيير السياسي المنشود... في كلا الحالتين الديموقراطية والشعب هما ضحاياها الفعليين على مائدة «غابة الاستراتيجية» التي لا يليق بمنطقها رؤية التفاصيل الدقيقة مع غياب أية رؤية تلحظ خياراً مجتمعياً داخلياً يعبر عن إرادة 18 مليون مواطن سوري، في أتون منطقة أقل ما يقال عنها أنها «تغلي».
لا ضير في الرهان على هذه القوة الدولية أو تلك حال توفر الأداة السياسية والمشاركة الشعبية الحقيقية، عبر إقامة علاقات سياسية تتقاطع مع الإرادة الدولية في هذه القضية أو تلك، ودون أن يكون ذلك مدخلاً لعلاقة تحالفية طويلة الأمد، بالضرورة إذ أن ما يستوجب تلك العلاقة هي حرارة هدف ما، تقاطعت من أجله إرادات مختلفة، ودون أن تقلل من تقييم تلك القوة الدولية وإخفاء لطبيعتها ومراميها في مستويات أخرى، إذ يزداد الأمر سوءاً أن ننزل في تقييم تلك العلاقة السياسية العابرة بمنحها معايير إيديولوجية وعقيدية ثابتة، كأنها لا تحول ولا تزول، مذكرة إيانا بنسق العلاقات السياسية فيما مضى بين الاتحاد السوفييتي وأنظمة (التطور اللارأسمالي) إذ كانت الدعاية السوفييتية في مجرى العلاقة السياسية مع تلك الأنظمة الديكتاتورية تشحذ كل أدواتها وإيديولوجييها، في إخفاء الطبيعة الحقيقية لتلك الديكتاتوريات وحقنها بمعايير الفضيلة والتقدم وباعتبارها قوى الخلاص نحو الاشتراكية، في الوقت الذي كانت تلك النظم تستبد شعوبها وتعود بها القهقرى، وتحطم كل إمكانيات التقدم الاجتماعي نحو أي نظام منشود. وفي الطرف المقابل كانت الدعاية الشيوعية في بلدان منطقة «التحرر الوطني» عماءً كلياً عن ممارسات الاتحاد السوفييتي الداخلية والخارجية، وفي المحصلة تعطيل العقل السياسي النقدي تحت مظلة مصالح وهمية وأنانية لم تجلب سوى الويلات.
يفترض المراهنون أن الولايات المتحدة الأمريكية قد دفعت بنزاعها مع النظام السوري حد التناقض الذي يذكرنا بما جرى في العراق، ضمن التصور الرسالي للإدارة الأمريكية من أجل الحرية والديموقراطية، وها هي الإدارة الأمريكية تمنح فرصة ثانية لسورية وفق ما ذكرت واشنطن بوست في تقرير لها بأن هناك تفويض دولي للإدارة الأمريكية هو (تغيير السلوك السوري عوضاً عن تغيير النظام)، وقال التقرير، الذي استند إلى عدد من المقابلات مع مسؤولين أمريكيين حول خطتهم لسورية، إن (أفضل مقاربة لأمريكا هي تلك التي نجحت في صربيا وجورجيا وأوكرانيا ولبنان). وأوضح أن هذه المقاربة هي (رعاية مجموعات مجتمع مدني قوية يمكن أن تفتح تدريجياً عملية من النقاش الداخلي). وأضاف (كما في مجتمعات ما بعد النظام الشيوعي، التحدي هو تأمين مصادر للنشطاء الديموقراطيين، منح مدرسية، وأخرى للأساتذة، ومؤتمرات، وهبات). وختم التقرير بالقول إن (التاريخ لا يوفر غالباً فرصة ثانية للقيام بالأمر بشكل صحيح. لكن لدى الولايات المتحدة وحلفائها الآن فرصة لحث نظام بعثي على نقلة سلمية نحو إصلاحات ديموقراطية وفقاً لتفويض قرار دولي)، مشيراً إلى أن (أمريكا بحاجة لبعض النجاح في العالم العربي وسط الإخفاق التام ـ وهذا ما لا يعترف به بعض سياسيونا الأفاضل ـ في العراق إن العمل من أجل تكرار انتفاضة الإصلاح اللبنانية في جارته سورية أمر يبدو منطقياً جداً).
وهنا كما نلاحظ خلو الأداء الأمريكي من دور رسالي مزعوم إلى الاعتراف بالوقائع العنيدة، والميل إلى توظيف الضعف الإقليمي للنظام السوري، وعلى علات هذا النظام على الصعيد الداخلي بأن تكون له أدوار مناسبة تتوافق والأجندة الأمريكية في المنطقة وبقدر ما يعتبر ذلك أداءً تكتيكياً وفق ما تمليه تلك الأجندة فإن من شأن ذلك الإقتداء بطريقة النظر إلى طبيعة مصالحنا وأهدافنا دون أن يعني ذلك المهابة من أن نوظف الشرط الخارجي لمصلحة تلك الأهداف دون أن يعني أيضاً أن نرمي تلك الأهداف في السلة الأمريكية ويبدو أن أمامنا تحديات صعبة وشروط عمل سياسي صعبة بقدر ما تنفي عن نفسها صفة الطهارة، بقدر ما تلزمنا على التمسك بسمت أهدافنا وتبيان طبيعة تحالفاتنا، فلا يمكن لأي عاقل أن يستبدل استبداداً داخلياً باستبداد خارجي، على الطريقة التي آلت إليها الأمور في العراق.
إن نزوعنا الاستقلالي لا يعني الانخراط في بلاهة العزلة والانعزال، بل هو فهم لبنية التعقد الحاصل في علاقة تطور مجتمعاتنا واقتصادياتنا بتطور مجتمعات واقتصاديات المراكز الرأسمالية المتقدمة، مما يسمح لنا بتجاوز مقولة: داخل ـ خارج في أفقها المعرفي السياسي التقليدي التي استغرقت عقوداً في الممارسة السياسية العربية إلى أفق معرفي جديد لا ينظر إلى تلك العلاقة إلا في وحدتها المتشابكة وعلاقات عناصرها التبادلية، وفهم عمليات الاستقطاب التي تؤول إلى ضرورة هيمنة مستوى ما على بقية المستويات الأخرى مما يحتم ضرورات خوض حرب مواقع مع القوة المهيمنة (الولايات المتحدة) بالمعنى السياسي العميق للكلمة، مع ما يتضمن ذلك باليقين المباشر على رفض بناء للإملاءات الأمريكية وعوامل الجهل والاستخفاف بالآخرين وبالأنانية القومية الضيقة، إذ يخطىء من يعتقد أن للولايات المتحدة سياسة عالمية/ كما أخطأ الكثيرون بالأمس بصدد عالمية السياسة السوفييتية/ بل للولايات المتحدة سياسة قومية مسرحها العالم، لا ترتقي لتكون سياسة عالمية لأنها محكومة كونها إمبراطورية في سياق عالم يتعولم نحو تعدد الأقطاب ومسؤوليات جماعية وتوزيع وظائف دولية. إن انضاج منظوراتنا وأدواتنا الداخلية لاحتمالات المواجهة المباشرة، لا يعني بالضرورة تمجيد واختيار اسلوب الصدام وفق ما ترتأيه بعض التيارات الجهادية متعددة المشارب، ولا ريب فإن نضالنا السلمي الديموقراطي سوف يمنحنا ونحن متحدون تحت راية البرنامج الديمقراطي على التدرب، وكيفية انتزاع حقوقنا الديموقراطية والوطنية غير غافلين لموازين القوى، والإرادات الدولية في تحقيق مصالحها ودون النظر بمثالية إلى كيفية ممارسة الولايات المتحدة لمصالحها، إذ أن الإدارة الأمريكية كثيراً ما أخطأت في تقدير مصالحها وتحالفاتها وانعطافاتها وهي تبدو في ذلك (من طبع البشر) في أخطائهم، وأهوائهم، وسوء تقديراتهم، وعلى هذا النحو بقدر ما تبدو الولايات المتحدة قوى عظمى إلا أن في المقدور مواجهتها بعيداً عن الاستسلام لإملاءاتها أو الدخول في متاهات الحروب الجهادية، تلك الحروب التي لا تملك أفقاً تاريخياً للانتصار على منطق الهيمنة الأمريكية وبسبب تغييب إرادة الشعوب ومشاركتها في تقرير مصيرها ومواجهتها للمنطق الإمبراطوري الأمريكي على العالم، وبالمناسبة فإن طريقة التوغل الأمريكي في المنطقة العربية وأسلوب إدارتها الشرق أوسطية لن يسفر إلا عن تعزيز مشارب العنف الديني واستنفار النزعات البربرية الجديدة، إذ أن كل خطوة أمريكية في العمق العربي خصوصاً والشرق الأوسط عموماً لن تعمل إلا في استبعاد نهوض الديموقراطيات العربية وتعزيز الظلامية السياسية التي تبدو ثمرة من ثمار أساليب الإدارة الأمريكية القائمة على العنف المباشر وغير المباشر (الإملاءات والجهل بتفاصيل مجتمعاتنا ومتطلباتها ناهيكم عن الصلافة والعجرفة الامبريالية المعهودة).
خلاصة القول فإن منطق المراهنين على الحسم الأمريكي لا يختلف عمن يريد أن يدير ظهره للضغوط الأمريكية إذ ليس بمقدور أي عاقل أن يقلل من شأن تلك الضغوط بدل أن يسعى لاستثمارها وتوظيفها في مصلحة الداخل الوطني. وبقدر ما يستدعي ذلك اقتصاداً في الأوهام خاصة ما يتعلق بالرسالة الأمريكية الحضارية العالمية لأنها باختصار ليست (أمة عربية واحدة) إذ أن التناقضات السياسية الأمريكية في العالم لا تنفصل عن تناقضات دوائر صنع القرار فيها غير المفصولة عن تناقضات المجتمع الأمريكي ذاته، إذ لا يمكن النظر للجسم السياسي الأمريكي بطريقة النظر (إلى الجسم السوفييتي السابق) على سبيل المثال، وترسيماته الأيديولوجية، فالولايات المتحدة دولة عظمى لكنها محكومة بل خاضعة لتناقضات وهي ما إن تؤول إلى حل نزاع حتى تنفتح أمامها احتمالات نزاع جديدة وفق صيرورة مفتوحة بسبب الموقع الإمبراطوري وطريقة التحكم في إدارة العالم.
فراس

المشهد السياسي في شهر آب/اوغسطس

بقلم: نذير جزماتي
أسقط المشهد العراقي كل أقنعة الكذب والزيف التي روجت لها أميركا باسم القدرة على احلال الأمن واحراز التقدم على المستوى الديموقراطي. وكان من أبرز تجليات هذا السقوط - حسب جريدة "الأهرام"في22/7-التصريحات المتضاربة بين مسؤولي الادارة الأميركية الذين أجبرتهم الضربات الموجعة العراقية على البدء في محادثات غير مباشرة مع ممثلي المقاومة..وعارية عن الصحة التنبؤات بتخفيض القوات الأميركية في العراق. وثمة مقاومة حقيقية للفدرالية خوفاً من تقسيم العراق.
وبمناسبة الطلب الاسرائيلي مليارات الدولارات الجديدة من أميركا بغية تطوير النقب والجليل!! كتب طلال سلمان في "السفير" 20/8 أن النقيض ينتصب شامخاً أمام نقيضه: اليهودي المتمسك بدينه الى حد التعصب، بكل شعاراته البدائية الموروثة، ينتج مبتكرات الحضارة الانسانية، ويصنّع القنابل النووية، ويبيع السلاح المتطور والتكنولوجيا المتقدمة الى مختلف دول العالمين الجديد والقديم.
" وعلى الضفة الأخرى، العربية، تتراجع وتيرة التقدم، وتهاجر الكفاءات، وتلتهم الصحراء والقصور وليالي الأنس والأسلحة التي لن تستخدم إلا ضد شعوبها، ما يسمى بالدخل القومي، ومن ضمنه الثروات الخرافية لأهل النفط.
" وعلى الضفة الأخرى يُعنقل المواطنون بلا تهم، ويُسجنون بلا محاكمة، ويُقادون الى الاستفتاءات بالسلاسل، وتُحرم عليهم الانتخابات، باعتبار الديموقراطية بدعة وكل بدعة ضلال وكل ضلالة في النار...
" ان الادارة الأميركية تمد بملياراتها اسرائيل لتساعد على بناء المزيد من المستعمرات على أنقاض المدن والقرى العربية.. لمستعمرين جدد يجيئون فيطردون الأهالي من مدنهم وقراهم الى ليالي الفقر والبرد في شتات غزة المحررة..أو في أي مكان من الدنيا يقبلهم من باب الصدقة والاحسان والحاجة الى يد عاملة رخيصة.
"انها خطوة واسعة في اتجاه احتلال المزيد من الأراضي العربية داخل فلسطين وخارجها، وعلى امتداد ليل الهزيمة بين المحيط والخليج.
"انه مشروع استعماري جديد لا يهدد الفلسطينيين داخل فلسطين وحدهم، وبالتحديد منهم من تبقى في أرضهم، ولكنه يهدد أيضاً لبنان وسوريا، ومصر..فضلاً عن الاردن الذي يغطي مليكه الخطر الماثل بيديه ليستذكر "الهلال الشيعي" إذكاءً لنار الفتنة في خدمة الاحتلالين :الاسرائيلي والأميركي، وهما متكاملان.
"وبقدر ما تكتمل الادارة الأميركية ملامح الصديق الصدوق بل ولي الأمر الشرعي للعرب القاصرين تتهاوى حتى الاندثار ملامح العدو عن الوجه الاسرائيلي الذي لم يعد قبيحاً، ولم يعد مخيفاً، وتنفتح أبواب العواصم العربية-وقد سبقتها الفضائيات وبعض الصحف- أمام هذا "الجار الطيب" الذي يقتلع مواطنيه من مستعمراتها ليعيدها الى اصحابها، بغض النظر عن كونهم "ارهابيين"!!
ومن جهة أخرى، أبدت دوائر اعلامية غربية دهشتها العميقة حين تبين لها أن معظم الفضائيات العربية ترتبط بشبكة اعلامية واحدة - وان تنوعت العناوين والوظائف- تتبع كلها لدوائر رسمية سعودية.

وكتب د.أحمد الجشي النائب الأول لحاكم مصرف لبنان أنه عند آخر زيارة له للمصرف الفدرالي الأميركي علم أن من بين مخصصات الحاكم سيارة توضع في تصرفه فتبادر الى ذهنه قيام المصرف بتسديد ثمن الوقود. إلا أنه أتضح له في ما بعد" أن المصرف يحتسب شهرياً عدد الكيلومترات التي تقتطها السيارة لأغراض خاصة، بما في ذلك التنقل اليومي من المنزل واليه، ثم يعمد الى احتساب تدني قيمة السيارة في نهاية كل عام وتطبيق القاعدة اعلاه، فالمال العام ملك الأمة ولا يجوز التفريط به حتى اليسير اليسير منه..
"ان الفساد والهدر من أعظم المخاطر وأكثرها ضرراً على التنمية الاقتصادية والاستقرار المالي والنقدي..فالفساد آفة من آفات المجتمع يؤدي الى نتائج خطيرة منها انهيار الطبقة الوسطى ..وانخفاض حاد في معدل دخل الفرد..وانخفاض في التقديمات الاجتماعية وتحويل الانفاق العام نحو مشاريع ذات منفعة خاصة يسهل معها تحصيل الرشوة بدل تنفيذ مشاريع ذات أولوية للمجتمع. وللفساد أشكال عديدة أولها أخذ الرشوة مقابل خدمة كتسهيل معاملة ما ، وليس آخرها سرقة المال العام بشكل منظم وكبير. ومن أشكال الفساد تسخير المال العام لمصحة شخصية أو طموح سياسي كإفادة البعض من القروض المدعومة التي لا يستحقونها أو شطب الديون المتوجبة على البعض الآخر أو اعطاء نسب فائدة مرتفعة على حساب المال العام؟؟
ان ثقافة الفساد تؤدي الى معاقبة من "تسوّل له نفسه" الدفاع عن المصلحة العامة والمال العام، ومكافأة الفاسدين والمفسدين الذين تنفتح أمامهم "أبواب النعيم" فيصبح أسافل القوم عاليهم يعيثون فساداً في المؤسسات العامة ويتمتعون بحصانة أين منها الحصانة الدبلوماسية . فينتج عن ذلك خلل كبير في أداء الدولة وانتاجية المجتمع. وبدل أن تعتمد الكفاءة والنزاهة معياراً في اختيار موظفي القطاع العام تستبدل بالولاء وتأمين المصالح الخاصة.

نذير جزماتي
ثقافـــــة الاستســــــــلام أو التضليل (الديماغوجيا)

نشرت الصحافة السورية شبئاً من هذا القبيل من ضمنها مقال لي عن "الليبرالية"،ونشر فهمي الهويدي في "الأهرام"18/1/2005ما يشبه ذلك، وأصدر الاستاذ بلال الحسن، الصحفي والباحث الفلسطيني كتاب بالعنوان المذكور أعلاه (ولد في عام 1939، تخرج من كلية الآداب، جامعة دمشق، وعمل بالصحافة في "المحرر"و"الحرية"و"البلاغ"و"السفير"، وأنشأ في باريس مجلة "اليوم السابع"ورأس تحريرها من عام 1984 حتى توقفت في عام 1991. ومن كتبه المنشورة:"السلام الأجوف، عن اتفاق اوسلو، و"الخداع الاسرائيلي" عن مفاوضات كامب دافيد الثانية عمد الى جمع مقالات عدد من الكتاب في صحيفة "الحياة" اللندنية، نشرت خلال السنوات الخمس الأخيرة، تدور كلها حول الصراع العربي- الاسرائيلي ،أخضعها للون من "القراءة النقدية". ويقول في تقديم كتابه إنه تجنب مناقشة كثير من الأفكار التي يختلف معها حول قضايا مثل التراث والحداثة والعولمة والسلام مع اسرائيل.."لأنني أعتبر الخلاف حول هذه القضايا أمراً طبيعياً(...)لقد اخترت أن أناقش نوعاً خاصاً من الأفكار، يبدو ظاهره ثورياً وراديكالياً وحداثياً، ولكنه، في العمق، مغرق في الرجعية وفي الدعوة لتدمير الذات. فكر يجاهد لكي يصوغ نظرية تبرر الانحناء أمام كل مستعمر، وتعتبر خطيئة المستعمر نابعة من ذاتنا نحن، نحن الذين يجب أن نتبدل كي تصبح نظرتنا الى المستعمر نظرة ايجابية.." والحقيقة أننا أمام"منظومة فكرية متكاملة تسعى الى قبول الهيمنة الأميركية، والى قبول اسرائبل- حسب الاستاذ بلال- باعتبارها أداة أساسية في عملية الهيمنة.."
كاتب المقال المنشور في "وجهات نظر" 78في تموز/يوليو2005 فاروق عبد القادر.
ثقافة الاستسلام، قراءة نقدية في كتابات: كنعان مكية، حازم صاغية، صالح بشير. العفيف الأخضر. أمين المهدي ، بلال الحسن، بيروت:رياض الريس، ك2/يناير 2005. لعل كنعان مكية (عراقي) أكثر هؤلاء الكتاب ايغالاً في السياسة العملية، وتفيد المعلومات المتوفرة عنه أنه عراقي شيعي ابن مهندس معماري معروف، وقد درس- بدوره - الهندسة المعمارية في "معهد ماسا تشو ستيس"، وعمل في مكتب أبيه. وغادرت العائلة بغداد عقب استيلاء البعثيين على السلطة في عام 1968، حصل على الجنسية البريطانية ثم توجه للاقامة في الولايات المتحدة. في عام 1990 نشر كتابه "جمهورية الخوف". حلل فيه طبيعة النظام العراقي وما يحمله من خوف على مستوى الفرد والجماعة. وكان يستخدم اسماً للكتابة هو سمير الخليل. بهذا الاسم أيضاً نشر كتابيه الثاني"القسوة والصمت" والثالث "النُصب".أما كتابه الرابع، وهو رواية تدور حول بناء قبة الصخرة, وقد صدر عام 2001وحمل اسمه الحقيقي" وشاع قبل ذلك بسنوات أنه مؤلف الكتب الثلاثة الأولى.."
يروي باحث عراقي(طارق الدليمي) أنه بعد حرب الخليج الثانية في أوائل 1991، وقيام الانتفاضة الشعبية ثم القضاء عليها ظهر مقال بقلم سمير الخليل يدور حول مسألة تغيير النظام في العراق. وتناول في جانب منه التكوين الاثني والمذهبي فيه، وقضية العروبة وضرورة التخلص منها، وجاء بفكرة عجيبة فحواها، ان العروبة في العراق شأن سني، أما الشيعة فهم أقل انجذاباً للقضية القومية. وتلاقت هذه الأفكار مع دراسات وتحليلات منشورة في بعض الدوريات السياسية والاستراتيجية، مهدت لقيام التنظيم الذي عرف فيما بعد باسم "التجمع الوطن العراقي". ويتابع الدليمي خطوات تكوين هذا التجمع والاجتماعات المتتالية التي عقدت في 91و92 ( يلفت النظر هنا وجود سعد الدين إبراهيم في الاجتماع الأول الذي عقد بإحدى ضواحي العاصمة النمساوية فيينا). وكان لأعضاء هذا التنظيم اتصالاتهم بأركان الإدارة الأميركية، وتمخضت الدراسات والأبحاث عن وضع خطة لإسقاط النظام العراقي واقامة نظام جديد.
وانهمك كنعان مكية في أنشطة متعددة، تدور كلها حول هذا الهدف طوال السنوات التالية: باحثاً وبروفيسوراً وعضواً في منظمات عديدة لعل أهمها أنه كان أحد أعضاء "فريق عمل المبادئ الديموقراطية" المؤلف من حوالي ثلاين عراقياً يجتمعون ضمن اطار "مشروع مستقبل العراق" التابع للخارجية الأميركية. وبلغت هذه الأنشطة أوجها في 3/10/2002 حين انعقدت في "معهد أميركان إنتربرايزر"ندوة تبحث مستقبل العراق بعد حرب أميركية جديدة ضده..و"كان للبحث الذي ألقاه مكية في الندوة تأثير خاص، ولقي تقبلاً من الادارة الأميركية، وخلاصة البحث: غزو أميركي للعراق، واقامة نظام فيدرالي فيه، وبناء عراق "عراقي" غير عربي. وبلغ من اعجاب الادارة الأميركية بموقف مكية أن الرئيس جورج بوش الابن استقبله يوم 12/1/2003 في البيت الأبيض..
وبعد انجاز الاحتلال الأميركي للعراق قام كنعان مكية بزيارة علنية لاسرائيل (زارها سراً قبل ذلك ثلاث مرات حسب قوله) واحتفت به جامعة تل أبيب ومنحته درجة الديكتوراه الفخرية، وأجرى أثناء الزيارة مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" أعرب فيها عن أمنيته في امتداد احتلال أميركا للعراق..".
ولم تكن ندوة "أميركا انتربرايزر مجرد ندوة بحثية، كانت في الحقيقة ندوتين : ندوة عسكرية تليها ندوة سياسية. تحدث في الاولى ضباط عراقيون ومحللون عسكريون أميركيون. وكان ضرورياً صياغة الكلمات العسكرية الخشنة والفظة بلغة سياسية،وحسب اللغة البحثية السائدة. وهذا مافعله كنعان مكية في الندوة الثانية حين دعا الى قيام "عراق غير عربي" أي عراق ينعزل عن محيطه العربي-الاسرائيلي.."وهذه مجموعة الأفكار التي تم الأخذ بها لتكون الهدف الاستراتيجي للاحتلال الأميركي للعراق، والتي برع بول بريمر في تنفيذها بعد انجاز الاحتلال في 9/4/2003.
خابت آمال كنعان مكية. صحيح إن الأميركيين استمعوا بشغف الى آرائه، واستندوا اليها، فكانت أفضل تغطية سياسية ممكنة: إنهم يشنون الحرب بناءً على رغبة العراقيين واستجابة لطلب عراقي، ولكن مع اقتراب موعد بدء العمليات أخذت بعض خطط الادارة الأميركيية تظهر للعلن. وفوجيء مكية بأن الأميركيين ينوون استلام السلطة في العراق مباشرة، وبواسطة حكومة عسكرية يعينونها."وفهم أنه وزملائه لن يكونوا رجال السلطة الجديدة كما توهم وتوهموا، فبادر الى كتابة مقال بالانكليزية(فقط) شن فيه حملة عنيفة ضد قرارات الادارة الأميركية دون أن يتخلى عن اعجابه الشديد بها وبقيمها، طالباً الدعم من الأميركيين، ومن الرئيس الأميركي بالذات.
بقيت نقطة خلاف كما هي: ان السلطة الأميركية لم تسلم السلطة الى أحمد الجلبي(القائد السياسي) ولم تسلمها الى كنعان مكية (المنظّر)، فأصيب بخيبة أمل وأخلد للصمت وعكف على تبويب"الأرشيف العراقي".
علق كاتب عراقي على خيبة الأمل هذه فقال:" لن ننخدع بمن كان مخدوعاً.."أما نحن فنقول المثل المعروف في عاميتنا:" آخر خدمة الغز.."!
ولعل الفصل الخاص بالكاتب حازم صاغية (لبناني)أهم فصول الكتاب. فبعد مناقشة مقالين كتبهما حازم بالاشتراك مع صالح بشير(تونسي) : أحدهما في 1997 والثاني في 2000، ويرى أنهما ينطلقان من أفكار كنعان مكية، ويصلان بها الى نهاياتها" فتضيف بعض المستلزمات الفكرية الجديدة، وتناقش بعض المواضيع السياسية المباشرة، وتكون الخلاصة تبني مفاهيم اسرائيل حول التسوية والتي تنطلق من مفهوم الأمن لاسرائيل، والتنظير لضرورة التطبيع مع اسرائيل قبل الوصول الى تسوية، كي نطمئنها ونهديء من روعها الأمني.." بعد مناقشة هذين المقالين يفرغ بلال الحسن لمناقشة أفكار حازم صاغية باهتمام واضح، وهو لا يخفي مبررات هذا الاهتمام.
من البداية يقدم بلال الحسن حازم صاغية بهذه الكلمات:" حازم صاغية شخص متميز وصوت متميز، نشأ في كنف عائلة مهاجرة الى أفريقيا ، وجاء الى بلده لبنان من هناك. ورغم هجرته فانه تمكن من اللغة العربية تمكناً ملحوظاً، يحظى بصفات شخصية ايجابية، فهو نظيف وصادق وذكي وودود وقلق، وقد لعب القلق دور المحرك في بناء ثقافته..ولكن لديه نزعة تهتم بالأفكار أكثر مما تهتم بالواقع والوقائع، هذا الاهتمام بالأفكار بعيداً عن الواقع، جعله دائم التنقل: من التأثر بالحزب"السوري القومي الاجتماعي" الذي غادره بسرعة الى تبني الفكر الماركسي خارج نطاق الأحزاب الشيوعية، ويقول بلال إنه عرفه شخصياً في تلك المرحلة (1974)، وكان له،(لبلال)، دور في اجتذابه لعالم الصحافة، الذي دخله كاتباً لاصحفياً، ولا يزال. وتابع بلال تحوله الفكري عند نجاح ثورة الخميني، فتبني "الخمينية" بحماسة كبيرة، وكتب دراسة مطولة عنها نشرها في كتاب مستقل بعنوان(ثقافات الخمينية، 1995). وشيئاً فشيئاً بدأت هذه الحماسة تضعف ، ولم يعد يرى أن الخمينية تصلح منهجاً للعمل في الساحة العربية، وبدأ يركز على أن العمل القومي هو الأساس ، وبدأت"مرحلة قومية في تفكيره وكتاباته.. لفت نظري فيها تصنيف مبتسر لأهم زعماء الحركة الوطنية العربية الحديثة بأنهم إما جواسيس لبريطانيا أو جواسيس لفرنسا..". في التسعينات بدأت علاقة حازم صاغية مع الفكر الليبرالي.ويرى بلال أن المشكلة ليست في الليبرالية لكنها في الشطط في استخدام منهجها. هذه المرحلة في مسيرة حازم صاغية الفكرية شهدت كتابه "وداع العروبة"(صدرت طبعته الاولى في عام 1999). ثم شهدت دراسته عن "أم كلثوم" التي يصفها بلال، بأنها "حاقدة" ويرى انها تفيد في فهم"حالة" حازم صاغية بأكثر مما تفيد في فهم حالة أم كلثوم! وقد اتسمت كتاباته "بحدة تدميرية مستفزة، وربما يكون هو ساعياً وراء هذا
الاستفزاز ومرتاحاً له..وبدا ميله الواضح الى تدمير الرموز العربية.." وأخيراً يسجل بلال لصاغية أنه، في كل التحولات،كان "صادقاً مع نفسه، فأعلن قطيعة فكرية مع ماضيه، ومارس نقداً علنياً لقطيعته تلك..".
(أفتح قوساً لأشير الى أن هذاالعرض يكتمل باضافة صغيرة عن كتاب حازم صاغية الأخير:" بعث العراق" سلطة صدام قياماً وحطاماً.." 2003، عكف حازم على دراسة العراق في مرحلة تمتد من أوائل الخمسينات حتى سقوط نظام صدام، وفي تقديمه يقول:" إن أي عمل عن العراق لايستطيع، مطلقاً، أن "يغطي" العراق باختلافاته، كما بتحولاته، ولا أن يتسلل الى الأمكنة التي حجبتها أسوار صدام وغموض نظامه..والحال أن الفصول اللاحقة لاتحمل هذا الزعم، زعم التغطية الشاملة، بقدر ما تهدف الى كتابة قصة العراق البعثي: وهي شيّقة مثلما هي مأسوية، لكنها، مثل كل قصة، يخونها الإلمام ببعض التفاصيل لمصلحة التعويل المبالغ فيه على تفاصيل أخرى. وعلى العموم تبقى الوجهة العامة للسرد كائنة ما كانت التفاصيل المختارة، المحك الاول لقيامها والحكم عليها.." وهكذا تمضي فصول السرد، من الأول بعنوان "التاسيس السوري" الى السابع عشر بعنوان "ختام بلا مسك")
وكان العامان 2000 و2001 مسرحاً مناسباً لحازم صاغية كي يقدم عرضه المنفرد المتواصل (8 مقالات في الشهر في المتوسسط) عن موضوع واحد هو الموضوع الفلسطيني. فقد شهد هذان العامان مفاوضات كامب دافيد الثانية(باراك-عرفات) واندلاع الانتفاضة الفلسطينية، وصعود اليمين الاسرائيلي الى السلطة في اسرائيل، وسوف يكتب حازم رؤيته عن هذا كله، وسيكرر أفكاره بإصرار وإلحاح.
ويوجز بلال رؤيته النقدية لكتابات صاغية حين يتعلق الموضوع بالنضال ، وبالصراع العربي-الاسرائلي، وبمواجهة اسرائيل، وبالانتفاضة الفلسطينية، تنضح بنزعة تميل الى التشهير والشماتة والقسوة اللغوية، وهي نزعة تؤدي الى تحويل النقد عن هدفه. فبدلاً من أن يكون نقداً، ولو قاسياً، يصبح نقداً مغشوشاً هدفه التدمير والايذاء والاستخفاف بتضحيات المناضلين.
ثانياً: من ناحية المضمون:فانتقادات حازم صاغية تنصب على الفلسطينيين والعرب، وتعفي من ذلك اسرائيل .. واذا حدث وانتقد اسرائيل في موقف ما، فانما ليتكيء على هذا النقد ليصب جام غضبه على النضال الموجه ضد اسرائيل. وحين يمضي في هذا الهدف يتخلص من قبول كل ماتردده اسرائيل أو تعرضه في المفاوضات، وآنئذٍ يتحول كل رفض، وتتحول كل معارضة الى موقف مدان ينغز فيه حازم صاغية بسهام تُدمي.
ثالثاً: من ناحية الهدف والغاية، فما يعرضه حازم على القاريء في النهاية، الى جانب الاشادة باسرائيل والاعجاب بها، هو ضرورة الخروج من الذات، وقبول المفاهيم الغربية المعروضة، والآميركي منها بخاصة، ليس في اطار الثقافة فحسب، وانما في اطار المواقف السياسية المرافقة لها أيضاً ( العولمة والحداثة حتى بمفهومها الاستعماري.." (ص 70-71)
هذه الأحكام الموجزة يدلل عليها بلال الحسن في المناقشة التفصيلية التي تعقبها من خلال هذه الموضوعات: هدم فكرة الثورة. الترويج للاستعمار. الدولة-الأمة(هدم فكرة الوحدة العربية). تشويه المفاهيم(الأرض، القضية)، تشويه المفاهيم(التطبيع، الاستشهاد)، الترويج للتراجع السياسي(اقتراحات باراك في كامب دافيد). الترويج للتراجع السياسي (القدس)، تحليل الانتفاضة(دعوة لليأس)، التهليل"لشارون الجديد"، وأخيراً تهميش القضية الفلسطينية(مضمون التطبيع الثقافي).
ولنقف لحظة، عند هذا العنوان الأخير: نشأ الادراك العربي العام بأن دولة اسرائيل تشكل خطراً اسستراتيجياً على المنطقة منذ تأسست في عام1948
ولم يكن الفلسطينيون منبع هذا الادراك، بل العرب جميعاً، وكانت الهجرة اليهودية الى فلسطين تحمل معها النذر ، وهو ما تحقق في عام 1967. ولفترة طويلة ظلت اسرائيل تقوم بدور"وظيفي" لصالح الولايات المتحدة الأميركية، فهي قاعدتها العسكرية الأكبر في المنطقة، وهي التي ستتولى
مهمة إشغالها ومنع أية تغييرات لا تتفق والمصالح الأميركية. حاربت كل مشروعات الوحدة أوالتقارب بتحالفات تتغير أطرافها، وشاركت في شن الحروب إرضاءً للنزعات الاستعمارية(1956)، ووضعت خطة للسيطرة على المياه في الأرض العربية، مما دفع الى حرب 1967.
كل هذه العوامل قد بلورت الادراك العربي(دولاً وشعوباً) بالخطر الاستراتيجي الكامن في دولة اسرائيل، ومن ثم اعتبر العرب قضية فلسطين مركزية في نضالهم من أجل الاستقلال والتحرر. تلك الحقائق البدهية النابعة عن تاريخ المنطقة تصطدم برغبات الداعين الى"التطبيع الثقافي" الذي يريد تغيير الأسس والمفاهيم العربية، وتقديم تصور مختلف لتاريخ الصراع العربي-الاسرائيلي. وحسب هذا التطبيع يجب النظر الى وجود اسرائيل لا باعتباره "أمرا واقعاً" بل باعتباره "حقاً في الوجود". بعبارة ثانية: اسرائيل لها حق الوجود في المنطقة العربية كمثل حق السوريين واللبنانيين والعراقيين، من حيث إن وجودها هو من نتائج الحرب العالمية الاولى، كما أن وجود سوريا ولبنان والعراق(كدول) هو من نتائج هذه الحرب كذلك. نقطة ثانية: لأن وجود اسرائيل هو من نتائج "المحرقة النازية" أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي هي "مأساة انسانية كبرى"، ومن ثم فعلى العرب أن يتعاطفوا معها.."ليس من أجل استفظاعها وإدانتها والبحث في وسائل عدم تكرارها فقط، بل من أجل فهم الأسباب والمبررات الأخلاقية لقيام دولة اسرائيل، حماية لهم من اللاسامية الألمانية والأوربية.."(من مقال لحازم صاغية وصالح بشير بعنوان "عولمة المحرقة أو كسر الاحتكار اليهودي لها")
ويفترض هذا التطبيع الثقافي، أيضاً، تقديم وجهة نظر "واقعية" الى المنطقة "تنطلق من مفهوم"الدولة/الأمة" حيث تعبّر الدول والأقليات والطوائف عن تعددية يجب الحرص عليها، واسرائيل جزء من هذه التعددية، إلا..فان المنطقة ستندفع نحو الحروب، ونحو الاستبداد. ومن مطالب هذا النهج أيضاً أن يكف الفلسطينيون وأن يكف العرب، عن اعتبار القضية الفلسطينية قضية مركزية، ذلك أنن-بالنص-"الانحسار في قضية واحدة هو من سمات الاستبداد..". وعن علاقة قضية فلسطين بقيم يعتبرها مبتذلة يكتب:"في لبنان مثلاً يشكل الشهداء والشهادة العمود الفقري لنظام القيم المعمول به"، ويعلّق بلال: "وكأن تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي يمكن أن يتم دون شهداء، واذا وجدوا فمن الأفضل نسيانهم، والتركيز على قيم مثل تعلم الكمبيوتر، مع أن "الشهداء" أثبتوا أنهم خبراء في الكمبيوتر. وعن نظام القيم "الفاسد" في سوريا يقول:" في سوريا تنعقد البطولة لرجالات القضية الواحدة كعدنان المالكي وجول جمال.." ولا أدري ما الذي يزعج حازم صاغية في استذكارر أبطال الشعب السوري في مقاومة اسرائيل..(..)ثم يوسع حازم صاغية نطاق استهزائه بقيم القضية الفلسطينية شاملاً بذلك أبطال التاريخ الاسلامي، فيقول:"حين يُستحضر من التاريخ الاسلامي خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي يستحضرون من داخل هذا التأويل وفي سياقه.." اذ من الأفضل ، حسب منهجه، القول بأن صلاح الدين الأيوبي لم يحرر القدس.
ان دعوة حازم صاغية الى تغيير سلم القيم هذا، هو جوهر الترجمة المطلوبة لشعار التطبيع الثقافي الذي يبشرون به، والمدخل هو عدم التركيز على قضية مركزية عربية"(ص 125-129) يلي حازم صاغية في الأهمية التونسي العفيف الأخضر . من البداية يقدم الحسن لوحة لتحولاته:" لقد قضى حياته ماركسياً من نوع خاص، يؤمن بالماركسية ويرفض اللينينية، يؤمن بالاشتراكية ويرفض تجربة الاتحاد السوفياتي، وأنفق ردحاً طويلاً مكن عمره يعاشر الأقليات السياسية.. تحمس لتروتسكي وباكونين وروزا لوكسمبورغ..كان محرضاً رئيسياً على الدعوة الى حلول الثورة الفلسطينية مكان النظام الاردني.. ثم تخلى عن هذه التجربة بائساً، عاش بعد ذلك فترة طويلة في حالة كمون، غازل الرئيس الجزائري أحمد بن بللا وهو في منفاه في فرنسا..ثم اختار أن يغازل النظام التونسي..ثم فجأة عاد الى دائرة الضوء 1998-1999 ليبرالياً متحمساً لكل ماهو عولمة أميريكية وأخيراً أمين المهدي الذي لم يعرف ككاتب أو ناشط سياسي..أو حتى معروفاً..الى أن نشر في الموقع الالكتروني لجريدة"يديعوت أحرونوت"الاسرائيلية مقالات اعجاب بالتجربة الاسرائيلية بدءاً من حركتها الصهيونية، وانتهاء بحروبها الناجحة. ويقال انه حاول انشاء جمعية صداقة مصرية-اسرائيلية. ودافع عن مثل هذه الأفكار في جريدة "الحياة" اللندنية من عام 1999 الى عام 2001

المشروع الأمريكي
إرهابيو الألفية الثالثة يتصارعون

عمر إدلبي
عندما قال أحد مسؤولي الإدارة الأمريكية مؤخراً إن ستالين مات، لم يكن شامتاً، كما لم يكن ينعي جبار الإتحاد السوفييتي، بعد كل هذا الزمن، وهو بالتأكيد لا يخبر عن معلومة تاريخية أكل الدهر عليها وشرب، الكلام الأمريكي هنا يتناول ـ بلا أدنى شك ـ الدور الأمريكي الذي يسعى الأمريكيون بكل ما يتهيأ لهم من قوى، لتأكيد تفرده وانفراده بتقرير مصير العالم الجديد، هذا العالم الذي أصبح أكثر جدّة غداة سقوط بغداد، وغداة انطلاق صراع جديد على أرض الرافدين، حيث إرهابيو الألفية الثالثة يتصارعون.
فبينما يحلم المواطن العراقي بلحظات أمان قليلة، يصفي إرهابيو النظام الأمريكي الجديد، وإرهابيو الحركات الإسلامية المتطرفة، وغيرهم الكثير، حساباتهم على إيقاع أنين وعويل ونزف دم الشعب العراقي البريء، ويكتب أصدقاء الأمس /أعداء اليوم نهاية أو بداية علاقة مصالح الإرهابيين المتبادلة.
وبمبادرة كريمة، يتولى بوش شخصياً قيادة الحرب المافيوية بين الإرهابيين المعاصرين، بينما تتدافع أنظمة القمع العربية لإبداء أقصى حالات حسن النية في طاعة الجموح الأمريكي، عبر لجم وتدمير قوى الممانعة الوطنية، ولاسيما الديمقراطية منها، فهل هذه هي نهاية المطاف؟
لا يخفى على العاقل أن احتلال العراق، هو خطوة البدء الفعلي في تنفيذ المشروع الذي تعمل عليه الإدارة الأمريكية، لصياغة ورسم خارطة منطقتنا، و يحظى باهتمام خاص من قبل هذه الإدارة لأسباب عديدة، نعدد ببعضها من باب التذكير:
1ـ المرجعية الفكرية التي يتبناها طاقم المحافظين الجدد، وهي مرجعية تعتمد الواقعية من جهة، إذ لا حاجة للشركاء ولا لمقتسمي غنائم ضعفاء في ظل السيطرة المطلقة لأمريكا اقتصادياً وعسكرياً على العالم ومقدراته بشكل لم يشهد له التاريخ مثيلاً، وهي من جهة أخرى مرجعية روحية (ميثيولوجية) تستند إلى اعتقاد قديم يعود إلى عهد الانتقال من اليهودية إلى المسيحية، والذي يبشر بعودة الحق والنور إلى الإنسانية، وقد تبنى بوش( المؤمن) ـ على طريقته ـ هذا الطرح، مما ساعده على حشد أنصار كثر لسياسته، ولاسيما من التيار الإنجيلي المسيحي.
2ـ التغيّر في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بالنفط، بعد أن دانت لها السيطرة على النظام العالمي الجديد، والذي تعتبره ثمرة جهودها وحدها، وبالتالي تعتبر نفسها صاحبة امتياز فيه لا تنازع عليه، فقد تبدل هدف هذه السياسة من مجرد ضمان التدفق الحر، والحفاظ على أمن المناطق النفطية، إلى التحكم في مسألة تحديد السعر، وضمان خطوط التوزيع، من أنابيب وناقلات، ويشكل النمو المضطرد التي تشهده الصين (النووية) حافزاً للإسراع في تنفيذ هذه السياسة الجديدة، في الوقت الذي يتجه الاحتياطي النفطي الصيني المخزّن إلى الارتفاع بشكل مستمر.
3ـ إنهاء أي احتمال لخطر ما على "دولة إسرائيل"، بتدمير أي قوة معادية لها،الموجودة أصلاً، أو المحتمل قيامها، في ظل وقت مثالي لتنفيذ هذا الهدف، حيث يبدي المحافظون الجدد الذين يشكلون غالبية إدارة الرئيس بوش تعاطفاً قوياً وغير مسبوق مع دولة الكيان الصهيوني، وهنا نذكر بمقولة هنري كسينجر قبل الحرب على العراق:" إن الحل في القدس يمر عبر بغداد".
4ـ احتواء أي تغيير سياسي في المنطقة من شأنه وصول إسلاميين أصوليين، أو يساريين إلى الحكم، فمن الثابت أن إدارة بوش لم تتبنَ مسألة التغيير الديمقراطي في المنطقة بهذا الزخم، بعد أحداث 11 أيلول كما يصور البعض، بل حدث هذا التغيير إبان التحضير لغزو العراق، ففي تاريخ 15/3/2003 نشرت "لوس انجلوس تايمز" تقريراً سرياً كان قد تم توزيعه على القيادات الأميركية العليا، بعنوان: «نظرية دومينو الديمقراطية لن يتم العمل بها» أعده مكتب «الأبحاث والمخابرات» في وزارة الخارجية الأمريكية، يؤكد التقرير إيمان الإدارة بمخاطر قيام نظام ديمقراطي، والذي يمكن أن يحمل أصوليين إلى الحكم، وبهذا بات لزاماً على الولايات المتحدة التدخل لمنع مثل هكذا خطر، وبالطبع عبر رفع الدعم عن الأنظمة القمعية وصياغة خارطة المنطقة على هيئة كانتونات، ديمقراطية شكلاً، ولكن بعد التأكد من تأمين أمن المنطقة ـ عبر تواجد قوات عسكرية وتعاون أجهزة المخابرات في القضاء على التشكيلات" الإرهابية " ـ وبالتالي تأمين المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية الأميركية.
ولا يخفى على العاقل أيضاً، أن سلسلة التنازلات التي تقدمها أنظمتنا الإرهابية، القمعية والجبارة، والعنيفة حد قتل خصومها الوطنيين، تدل على قدرتها في أن تصبح أليفة وغير ضارية، وعلى مدى رحابة صدرها في تقبل الإذلال الأمريكي الممنهج، وهذا السلوك المخزي لا يفاجئ إلا الغافلين، والمخدوعين بوطنية أنظمتهم، هذه الأنظمة التي لم تفوت فرصة عبر تاريخها لإثبات استعدادها بيع الوطن بترابه وثرواته ومواطنيه، من أجل ثرواتها التي راكمت أرصدتها من قهر وإذلال كرامة وحياة البشر.
ليس هذا كل شيء، فاللعبة السياسية الدولية التي أعطت أنظمتنا الفاشية كلَّ الذرائع اللازمة للآخرين ليقودوا حركة رحاها على أرضنا، ونبدو فيها ـ حكاماً ومحكومين ـ مجرد موضوع، لا ذاتاً فاعلة، هذه اللعبة نجهل أغلب أبعادها، ومنطلقاتها، وبالتأكيد نجهل نتائجها، وإن كنا نجتهد في مقاربتها، إلا أن الحقيقة الوحيدة التي تكاد تنطق أمامنا، تؤكد أننا الخاسرون قبل الآخرين.
الواقع ومعطياته تؤكد أن المشروع الأمريكي قاطرة تتجه وبتسارعها الأعظمي نحو هدفها، لكن منطق تاريخ الشعوب مختلف جداً عن منطق قوانين الفيزياء والحركة، فهل نمتلك إرادة دفع هذه القاطرة الجبارة إلى الهاوية؟



الانسحاب من غزة.. التراجع الثاني للكيان الصهيوني

توجت نضالات المقاومة الوطنية والإسلامية الفلسطينية للمرة الأولى في تاريخها، بالانسحاب الصهيوني من قطاع غزة، كما توجت للمرة الأولى في التاريخ العربي إنتصارات المقاومة الإسلامية الوطنية اللبنانية بالانسحاب الصهيوني من جنوب لبنان.
وللمرة الثانية تجبر المقاومة الكيان الصهيوني التراجع عن مشاريعه الاستيطانية والاحتلالية في الأراضي الفلسطينية واللبنانية. ويأتي هذا الانتصار كما تسميه حكومة الكيان الصهيوني خطة «فك الارتباط» من طرف واحد لكي تتحكم في القضايا العالقة نتيجة هذا الانسحاب. وحتى لا يسجل في تاريخها انها انسحبت بدون شروط واملاءات على السلطة الفلسطينية. ولتسليط الضوء عن ماذا تخلى الكيان الصهيوني في هذا الانسحاب نوجز بالتفصيل ماذا كان يوجد له في غزة.
آ ـ المستوطنون والمستوطنات:
تبلغ مساحة قطاع غزة 362.7 كم2، كانت تسيطر المستوطنات الإسرائيلية على 116.5كم2 منها، ما نسبته 32.13 بالمئة من مساحة قطاع غزة. يوجد فيها 19 مستوطنة، بالإضافة إلى تجمعات صغيرة تقع غالبيتها على شاطىء البحر وفوق المصادر المائية والثروات الطبيعية والأراضي الخصبة. وهي موزعة على الشكل التالي:
1 ـ «إيرز» : أقدم المستوطنات المقامة في قطاع غزة، أقيمت في العام 1968 على أراضي بلدة بيت حانون بجوار كيبوتس إيرز في المنطقة المحتلة في العام 1948. تبلغ مساحتها 1200 دونم. وهي مستوطنة صناعية فيها عشرات المصانع والورش وبنك ومكتب بريد ومكاتب الإدارة الإسرائيلية لشؤون القطاع.
2 ـ «كفار داروم»: أقيمت في العام 1970 على طريق غزة ـ خان يونس جنوبي دير البلح، مساحتها 450 دونم. تحولت إلى كيبوتس في العام 1978، وهي من المستوطنات الزراعية، وفيها مصنع تعليب الخضروات، عدد عائلاتها 42 تضم 200 إسرائيلي وهي مستوطنة دينية.
3 ـ «موراج»: أقيمت في العام 1972 جنوبي قطاع غزة في منطقة أم الكلاب بين رفح وخان يونس، مساحتها 1230 دونم، وهي مستوطنة زراعية فيها محطة لتقوية الإرسال ومخيم لقوات الاحتلال الإسرائيلي الرئيسية. تسكنها 25 عائلة عدد أفرادها 150 مستوطن، وتحسب على المستوطنات الدينية.
4 ـ «نتساريم»: أقيمت في العام 1972 على أراضي قرية «أبو مدين» بين غزة ودير البلح جنوباً. مساحتها 7000 دونم، وهي مستوطنة زراعية تنتج الألبان وتربي الدواجن. تسكنها 60 عائلة تضم 496 مستوطناً تحسب على المستوطنات الدينية.
5 ـ «نيتسر حزاني»: أقيمت في العام 1973 في منتصف الطريق بين دير البلح وخانيونس. مساحتها 2038 دونم. وهي مستوطنة زراعية. تسكنها 60 عائلة تضم 400 مستوطن. وفيها مقر للشين بيت وآخر للوحدات الخاصة، وتحسب على المستوطنات الدينية.
6 ـ «قطيف»: أقيمت في العام 1977 بين دير البلح وخانيونس، مساحتها 1993 دونم، وهي مستوطنة تعاونية وتنتج الخضروات، تسكنها 50 عائلة تضم 300 مستوطن، وتحسب على المستوطنات الدينية.
7 ـ «جاني طال»: أقيمت في العام 1978 على مسافة 2 كم شمال غرب خانيونس. مساحتها 2450 دونم، تسكنها 65 عائلة تضم 400 مستوطن. وهي مستوطنة مشتركة بين العلمانيين والمتدينين.
8 ـ «جاديد»: أقيمت في العام 1979 شرق الساحل البحري وإلى الجنوب من مخيم خانيونس. مساحتها 1476 دونم، تسكنها 40 عائلة تضم 250 مستوطن. وتحسب على المستوطنات الدينية.
9 ـ «بني عتصموما»: أقيمت في العام 1979 تبعد 3 كم عن ساحل البحر و3 كم عن حدود قطاع غزة مع مصر. تبلغ مساحتها 1500 دونم. تسكنها 80 عائلة تضم 500 مستوطن. وتحسب على المستوطنات الدينية.
10 ـ «شيلورياكال»: أقيمت في العام 1980 كمعسكر لقوات الاحتلال الإسرائيلي. تحولت في العام 2001 إلى مستوطنة مدنية على بعد 2 كم من شاطىء البحر بين مستوطنتي «قطيف ونيتسر حزاني». مساحتها 500 دونم.
11 ـ «دوغيت»: أقيمت في العام 1982 على بعد 2 كم جنوب الحدود الشمالية لقطاع غزة، مساحتها 600 دونم تسكنها 20 عائلة تضم 79 مستوطن.
12 ـ «نفيه ديكاليم»: أقيمت في العام 1983، مساحتها 1711 دونم تسكنها 400 عائلة تضم 2671 مستوطن. وتعد أكبر مستوطنات قطاع غزة وفيها المجلس الإقليمي للمستوطنات وجامعة للطلاب والطالبات ومدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية ومكتب بريد وبنك وسوق تجاري كبير وعدد من مصانع الملابس والمنازل الجاهزة وهي مستوطنة مشتركة بين العلمانيين والمتدينين.
13ـ «إيلي سيناي»: أقيمت في العام 1983، مساحتها 500 دونم من أراضي شمال قطاع غزة. تسكنها 85 عائلة تضم 407 مستوطن.
14ـ «رافيح يام»: أقيمت في العام 1984 على بعد 1.5 كم عن شاطىء البحر. وتبعد عن الحدود المصرية. مساحتها 574 دونم. تسكنها 25 عائلة تضم 143 مستوطن. وتحسب على المستوطنات العلمانية.
15ـ «نيسانيت»: أقيمت في العام 1984 على بعد 1.5 كم إلى الجنوب من الحدود الشمالية مع أراضي 1948 وهي من أكبر مستوطنات شمال قطاع غزة. مساحتها 1610دونم تسكنها 300 عائلة تضم 1064 مستوطن.
16ـ «كفار يام»: أقيمت في العام 1987 على شاطىء البحر مقابل «نفيه ديكاليم». مساحتها 100 دونم تسكنها 4 عائلات تضم 10 مستوطنين.
17ـ «تل قطيفة»: أقيمت في العام 1992 بالقرب من شاطىء خانيونس. تسكنها أربع عائلات تضم 24 مستوطن.
18ـ «سيرات هايم»: أقيمت في العام 2000 تسكنها عدد من العائلات تضم 40 مستوطن. وتحسب على المستوطنات الدينية.
19ـ «كارم عتصمونا»: أقيمت في العام 2001 بين مستوطنتين «بني عتصمونا وموراج» تسكنها بضع عائلات تضم 24 مستوطن.
هذه المستوطنات كان يسكنها 7300 مستوطن قبل الإنسحاب. نسبة الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة 60 بالمئة. وتبلغ نسبة استهلاك المستوطن الواحد في غزة من المياه حوالي 1000م3 مقابل 172م3 للفلسطيني. يضاف إلى أهداف الاحتلال الإسرائيلي غير التواجد المباشر تمزيق الوحدة السكانية للقطاع وتوزيع وعزل السكان الفلسطينيين إلى أربع كتل منفصلة بإقامة مناطق استيطانية صهيونية إسرائيلية عازلة. ومنع التواصل الإقليمي للقطاع وعزله عن شبه جزيرة سيناء. ودمج القطاع اقتصادياً بالكيان الصهيوني. وتركيز التواجد الصهيوني في غزة بحجة الدفاع عنه واستخدامه ورقة ضغط في المفاوضات القادمة.
الأوضاع الفلسطينية في غزة بعد الإنسحاب: خيار «فك الارتباط» الذي توصلت إليه حكومة شارون ناتج عن فشل خيار السيطرة العسكرية على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. واحدى ثمار انتفاضة الاستقلال «الأقصى» والمقاومة وصمود الحالة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وبلدان الشتات الفلسطيني وتلاحمها الوطني الذي سيحميها من التنازع والاقتتال الفلسطني ـ الفلسطيني مما يفرض إيقاعاً يتحلى بالوعي السياسي الوطني التنظيمي والتفاهم للوصول إلى حالة إجماع وطني يكرس الانسحاب ويقطع على حكومة شارون تحقيق أحد السيناريوهات التي رسمتها للشعب الفلسطيني وقواه السياسية في قطاع غزة. فالانسحاب الإسرائيلي يفتح الأبواب واسعة أمام حكومة شارون وإدارة الرئيس بوش للضغط الكبير على السلطة الفلسطينية لوضع مقولة نزع سلاح المقاومة وتفكيك الخلايا المسلحة للفصائل الخمس «فتح، حماس، الجهاد، الشعبية، الديمقراطية». ويزيد من صعوبة الوضع المعقد في غزة قضية الأراضي التي جلى عنها الاحتلال. وآليات العمل لإدارة قطاع غزة اقتصادياً واجتماعياً. ومحاولة وضع الحلول مع الحكومة «الإسرائيلية» على كل المسائل العالقة مثل «المعابر، الأجواء، والبر، والممر الآمن، والحدود المصرية الفلسطينية التي يفترض أن تكون قوة من حرس الحدود المصرية قوامها 750 جندياً قد انتشرت بتاريخ 4/9/2005 على طول الخط الفاصل بينها وبين قطاع غزة تمهيداً للخروج العسكري الإسرائيلي من القطاع في موعد أقصاه الخامس عشر من شهر أيلول (سبتمبر). وكانت مصر قد وقعت اتفاقاً مع «إسرائيل» في 1/9/2005 في القاهرة يحدد دورها بعد 38 عاماً من الاحتلال الإسرائيلي. عرف باتفاق (فيلا ديفي). ويشاع أن القوة التي تنتشر على طول المحور البالغ 14 كيلو متراً. هي جزء من قوة يصل عددها إلى 2000 عنصراً يتوضعون منذ حرب تشرين (اكتوبر) رمضان 1973 على الحدود المصرية الفلسطينية التي عرفت كمنطقة منزوعة السلاح حسب اتفاقية كامب ديفيد. من خلال كل ما تقدم يستوجب الوضع في غزة توحيد كل الجهود لوضع إطار سياسي وطني يعمل على:
• وضع استراتيجية فلسطينية وطنية واضحة قائمة على أسس الاجماع الفصائلي الفلسطيني نحو إعادة بناء (م.ت.ف) والسعي الرئيسي لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في إعلان القاهرة.
• وضع حد لحالة الفلتان الأمني الذي يلحق أكبر ضرر بالقضية الوطنية فهل من المعقول والمقبول وطنياً أن يتم إعدام «اللواء موسى عرفات» من قبل قوة أكثر من مئة مسلح في اشتباك تستخدم فيه قاذفات «الآربيجيه» دون تدخل من قوات الأمن الفلسطيني. أم ان هذه التصفية تأتي في إطار الصراع الفتحاوي وتصفية الحسابات الضيقة. ان الحالة الفلسطينية لا تتحمل المزيد من الفلتان الأمني. فإذا كان هناك صراعات تقوم على أسس وطنية أو حتى الوصول إلى مستوى الخيانة الوطنية فيجب أن يقوم ذلك في إطار القانون والمحاكم والقضاء. وليس عبر الأساليب الأخرى. لذلك يجب ضبط الأوضاع في غزة بما يصون الصف الوطني والوحدة الوطنية في مواجهة استحقاقات الانسحاب.
• العمل على مناقشة كافة القضايا التي خلفها الاحتلال (كالأمن، والنظام، معركة السيادة على المعابر، والبر، والبحر، والجو في الاطار الوطني الكامل للوصول إلى أفضل صيغة في مخاطبة الرأي العام العربي والدولي لعدم وضع غزة في إطار سجن كبير مفتاحه في يد حكومة شارون.
• فتح أوسع معركة سياسية ضد المخططات الإسرائيلية التي رافقت الانسحاب لتضليل الرأي العام العالمي حول المعركة الاستيطانية المفتوحة حول القدس والضفة الغربية ومواصلة بناء جدار الفصل العنصري.
• التمسك بسلاح المقاومة في الضفة الغربية وفي مناطق التماس مع جنود الاحتلال الإسرائيلي ومواصلة معركة الحرية حتى تحقيق الاستقلال والعودة وبناء الدولة الفلسطينية وحتى لا تكون غزة أخيراً.
• فتح أوسع معركة إعلامية حقوقية عبر الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان لفضح الموقف الإسرائيلي من قضية المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مما يملي على السلطة الفلسطينية والحركة الوطنية الفلسطينية بكامل أطيافها الوطنية للتعامل الجدي في هذه المسألة حيث يحتجز في قضية المعتقلين جزء هام من الحركة الوطنية الفلسطينية.
• العمل على ابقاء قضية حق العودة قضية حية في المحافل الرسمية والشعبية ودعمها في كل المحافل الدولية والإقليمية والوطنية. وتحميل المجتمع الدولي والأمم المتحدة والرباعية مسؤولياتها لتحقيق قرارات الأمم المتحدة. ان مرحلة غزة أولاً ما زالت ماثلة في اتفاقيات أوسلو. ويجب أن تبقى ماثلة في ضمير الحركة الوطنية الفلسطينية. فالتراجع الإسرائيلي يجب أن يستمر بكافة الأشكال النضالية والسياسية.




قراءة في الوضع الداخلي والموقف المطلوب

عن: (اجتماع المكتب السياسي لحزب العمل الشيوعي في سوريا). (آب 2005)

مرت فترة زمنية كافية على انتهاء أعمال مؤتمر حزب (البعث ـ السلطة)، فترة اختبار أولية تسمح بتحديد اتجاهات التطور المحتملة، وعوضاً عن البدء بتشكيل اللجان المعنية بتنفيذ التوصيات والقرارات، وصدور أشياء ملموسة، كحد أدنى في إطار الصدق الشكلي مع أهداف عقد المؤتمر المعلنة والفعلية، وكامل الضجة والوعود المرافقة، أو بهدف البهرجة، المماطلة، والتسويف... عوضاً عن ذلك كله فوجىء الجميع بسلسلة أو موجة إجراءات أمنية بدت وكأنها خارج السياق المتوقع تماماً... موجة مفاجئة، معممة، ومستمرة.. إلى درجة غطت فيها أو لم تسمح بلحظ خصوصية وأهمية طي ملف الاعتقال بأحداث القامشلي آذار 2004 وإطلاق سراح جميع المتبقين وكذلك تناسي أو إبقاء ملف المعتقلين السياسيين القدماء مجمداً بما فيهم وضع رفيقنا عبد العزيز الخير الذي مضى على اعتقاله أكثر من ثلاثة عشرة عاماً.
ـ من الواضح أن الأمر لم يعد يتوقف عند حدود رد فعل السلطة على ما جرى في منتدى الأتاسي وقرارها النهائي بإغلاقه كذلك وقف النشاطات الملحقة به (حوار الطاولة المستديرة)، كما لم يعد يتوقف عند التوجه القديم للسلطة بمنع وفض أي حراك علني (مثل الإعتصامات) للمعارضة، التوجه المرن جزئياً من خلال السماح بشيء من التجمع والفض الهادىء الذي سمح مرات كثيرة بامتداد الاعتصام. الأمر الآن قرار وتوجه مختلف كلياً، متخذ في أعلى مستوى سلطوي سماته والوسائل المتبعة فيه (حتى الآن):
1 ـ منع أي حراك مهما كان نوعه، منع أي لقاء أو اجتماع واسع أو ضيق في المجتمع أو وسط الحركة السياسية والثقافية، بل مراقبة ذلك بصورة مسبقة ومتابعته المبكرة لمنعه سلفاً بالإنذار المسبق أو التهديد إن أمكن.
2 ـ التوجه مركزي ومعمم على جميع الجهات الأمنية دون استثناء، المهم منع قطعي لأي حراك أو تجمع وبقية ردود الفعل المحتملة تعالج لاحقاً، وهكذا يبدو هامش التصرف واسعاً، وهامش التفسير سيختلف بين جهاز وآخر بين مسؤول وآخر.. وصل الأمر إلى المحافظين.. الصيغة متشددة إذن وعلى مسؤولية الجهة المنفذة.
3 ـ الجهة الأمنية الرئيسية المعنية به هو وزارة الداخلية وما يتبع لها من جهاز الأمن السياسي وشرطة حفظ النظام، المحافظين وبقية فروع الشرطة.
4 ـ بالمقابل لم تترافق هذه الموجة بأشكال من القمع الجسدي الوحشي القديم كما لم تترافق باعتقالات واسعة تشبه الشيء القديم، بل يمكن لأي اجتماع أن ينتهي ببساطة بدون أذى جسدي في حال استجابة المشاركين فيه لطلب الأجهزة بالتفرق وفض الاجتماع، وفي بعض الحالات تؤخذ أسماء الحضور لتحصل استدعاءات أمنية لاحقة مع التحقيق، لكن من الواضح أن هناك خطوطاً حمراء يمنع تجاوزها من منظور السلطة، كما أن هناك تمييز في تلك الخطوط الحمراء وردود الفعل عليها.. تمييز من منظور سياسي كما تراه وتقدره السلطة.. تجاوز تلك الخطوط أدى إلى اعتقالات جزئية مدروسة كأهداف قادرة على خلق حالات ردع رهابية ونشر خوف وانكفاء في الحركة، نقصد أهدافاً مدروسة لتساهم في تحقيق التوجه والسياسات المقصودة.
في ذلك السياق والتوجه مُنعت كل الحراكات والاجتماعات التي عرفت بها الأجهزة.. إن تعلقت بمنتدى الأتاسي أو اجتماع للجان إحياء المجتمع المدني أو دعوة لقاء مجموعات ليبرالية أو لقاء للسيد عبد الله هوشي في درعا، (أو محاضرة في المركز الثقافي في درعا أيضاً للسيد حسين العودات، على الرغم من وجود إذن سابق.. أو حفل مركزي في منطقة القامشلي لحزب العمال الكردستاني بمناسبة إطلاق أول رصاصة وتشكيل الحزب مع اعتقال العديدين، ومنتدى حواري ضيق في اللاذقية بعد إنذارهم بإغلاقه.. تمت مداهمة الاجتماع واعتقلت المجموعة الموجودة لساعات) حتى الاعتصام التقليدي القديم من سنوات مساء كل خميس في طرطوس الذي استمرت تقوم به مجموعة رفاق وأصدقاء لتيار قاسيون تحت شعارات وأهداف سياسية تتقاطع كثيراً مع سياسات وتصورات السلطة في مسألة الخطر الخارجي الواقع على الوطن.. عندما أنذرتهم الأجهزة مسبقاً بضرورة وقف الاعتصام.. فاعتقدوا أن الأمر أمر توجه محلي وبمتابعة الاعتصام جرت اعتقالات لخمسة مع تقديمهم إلى محكمة عسكرية، أطلق سراح أربعة منهم بعد أيام ولا يزال الخامس معتقلاً ومساء الخميس التالي ملأت الشرطة المكان بتعزيزات لا عقلانية ظناً أن ثلاثين شخصاً تقريباً (كما هي العادة) سيعودون إلى الاعتصام مرة أخرى؟!
إن مظاهر الضبط والقمع السريع طالت بعض الظواهر والقضايا الاجتماعية الصرفة (بعيداً عن السياسة) مثل قصة اعتقال بعض أصحاب الأكشاك في طرطوس.. وموقف المحافظ الحاسم تجاههم على الرغم من وجود عقود نظامية مع البلدية وتدخل رئيس مجلس الوزراء لتنفيذ العقود، كذلك اعتقال مجموعة كبيرة في حمص من أهالي حي مجاور للمدينة الجامعية منذرين بالهدم.. بعد مقاومتهم للآليات والشرطة وقطع الطرق المؤدية والرشق بالحجارة من قبل أطفالهم، أو اعتقال مجموعات واسعة من أهالي تلفيتا الحدودية المتضررين من تعقيدات الحدود والمشاكل السياسية مع لبنان، تحديداً في انتاج وتصدير محصول البطاطا بصورة نظامية أو تهريباً.
ذلك التوجه أو القرار وجملة التفاصيل الأمنية الشاملة طرحت نقاشاً سريعاً، استنتاجات ومواقف وبرزت آراء مختلفة بل متناقضة بخصوصها:
ـ كالقول أن السلطة السورية غدت في وضعية وشروط مريحة.. إذ تراجع الخطر عنها كلياً.. لابد إذن أن الإدارة الأمريكية (والعامل الخارجي برمته) قد تراجعت عن قرارها، وهناك مساومة فعلية على ضوء تعقد الشروط الأمريكية في العراق. إنهم يريدون دعم النظام لهم هناك لتحسين شروطهم، والنظام يفعل ذلك. كل إعلامه وتصريحاته الرسمية تؤكد الأمر.. كما أن الاعتقالات الدائمة والواسعة لكل من حوله شكوك أنه تطوع أو فكر بالذهاب إلى العراق.. قائمة بشكل خاص في حمص لأكثر من مائة متطوع، والبعض يدفع بالمساومة إلى نهايتها ليعتبر أن الخيار الأمريكي قد استقر تماماً من داخل النظام ولا داعي للضغط عليه.. وفي كلا الحالتين فالأمر يسمح للنظام بالعودة إلى التشدد القمعي وتعميمه على المكشوف.. ويضيف هذا البعض.. كيف قلتم وتقولون لنا أنه من الصعب جداً أن تعود سوريا إلى الخلف.
ـ أو أن السلطة السورية مرتاحة فقط في إطار الشروط الأمريكية المعقدة في العراق دون أن تكون هناك مساومات أو خيار أمريكي جديد أو تغيير في قرار الإدارة الاستراتيجي.. هذا كافٍ لإضعاف وتائر الاهتمام الأمريكي والضغوط الأمريكية على النظام.. وكافٍ بدوره كي يعود النظام إلى دورة قمع جديدة.
ـ ورأي يجد أن النظام مضطرب سياسياً، مهزوم ومنفعل على ضوء كل ما جرى له في لبنان والمنطقة.. بذلك يشعر أنه فقد هيبته الخارجية مما أثر ويؤثر على هيبته الداخلية.. وها هو يقوم بهجوم معاكس لإعادة تلك الهيبة والنفوذ.. وهذه سياسة مقررة في المؤتمر.. سيبدأ بها النظام سياقاً جديداً في تكيفه، وجهها الرئيسي القمع الأمني.. لكنها مصحوبة بتكتيكات عديدة سياسية أو غير سياسية... مثل زيارة إيران، المباحثات مع رئيس الوزراء اللبناني، آخر اتفاقية لتسوية الحدود مع الأردن، العلاقات مع ماليزيا ومحاولة تقليد تجربتها. نشر إشاعات عديدة وجديدة حول وعود قريبة تتعلق بتوصيات المؤتمر... أو زيادة المعاشات، أو محاربة الفساد وبدء تشكيل لجان.
ـ رأي يقيس الأمر على الماضي وسويات القمع.. فيفترضون لو أن النظام قد نجح في التعشيق مع خيارات الإدارة الأمريكية، لواجهنا قمعاً شديداً، لكانت سوريا قد وضعت مجدداً في إطار الرعب القمعي القديم.. فما الذي يمنع النظام من ذلك في هذه الحالة.. ويستنتجون حسب نظرية «العكس الصحيح» أن النظام ضعيف جداً ومنهار، تحديداً بسبب الضغط الأمريكي المتواصل، وقرار الإدارة الأمريكية الصريح بمحاصرة وتصفية النظام.. مما يعني أنه في وضعية الدفاع الأخيرة فليس أمامه سوى تغيير العلاقة مع المجتمع والمعارضة والاستقواء بهما في مواجهة الخارج، أو العودة المطلقة إلى طبيعته، بنيته.. نهجه وتاريخه مع القمع الشمولي.. فاختار الطريق الأبدي (الثاني).
ـ ماهي حقيقة الأمر بالنسبة لنا؟ كيف نقرؤه؟.
لنقارب الحقيقة بصورة مناسبة لا بد من ذكر أهم التطورات الطارئة أو الجديدة الملفتة للنظر، التي قد تدفع النظام إلى مثل هذه الممارسات محتجاً بها أو مبرراً نهجه وسلوكه.
1 ـ تجرؤ الحلقة الكردية المتواصل والمتصاعد.. بدأ ذلك مع أحداث آذار 2004 وتصاعد مع مقتل الشيخ الخزنوي وصولاً إلى 15 آب ومناسبة حزب العمال الكردستاني.. يبرز الأمر في كل تفصيل في أي مناسبة، الحالة الشعبية تسبق حالة القوى الوطنية للحركة الكردية.. يبرز الأمر في الاستعداد للاحتجاجات والتضامنات والتجمعات الشعبية السريعة.. أي حزب كردي يستطيع بدعوة صغيرة أن يجمع أعداداً كبيرة ويخلق حالة تضامنية، يظهر التجرؤ أيضاً في مستوى الخطاب السياسي تجاه السلطة والأجهزة، يظهر في تفاصيل ذات دلالات رمزية قومية صرفة.. والسلطة من جهتها تتعاطى مع هذه الحلقة.. بين (القمع والتفهم والمناورة).. تتعاطى معها بحذر شديد وتحسب مختلف عن أي حلقة أو حراك آخر في الوطن.
2 ـ انفجار أحداث القدموس مرة أخرى وعلى نطاق واسع وخطير.. اشترك فيه مئات المواطنين بينهم الكثير من البعثيين والشبيبيين والسلطويين من ذوي «النفوذ الصغير».. كلهم ممن نكصوا إلى عصبياتهم الطائفية بدلاً من انتمائهم السياسي والحزبي.. إنها أحداث شكلت ضغطاً شديداً على النظام لأكثر من سبب.
3 ـ تجرؤ المواطنين في أكثر من موقع على أجهزة السلطة (كما ذكرنا في حمص، طرطوس، تلفيتا، بعض مناطق التجمعات الكردية) هناك شعور في القاع الاجتماعي أن الأمر لم يعد كالماضي، وأن هيبة السلطة والأجهزة قد انكسرت وضعفت، ساعد في ذلك أخيراً صدور تلك القرارات والتوصيات عن مؤتمر حزب البعث بالعناوين المعروفة التي كشفت بصورة صريحة عن القضايا المطلوبة في الوطن.. والتي كانت تمارس السلطة القمع عندما يقاربها أحد أو يتكلم عنها.
4 ـ إن قاعدة النظام وأوساطه.. الحزبية بشكل خاص تعاني من التفكك والهشاشة وضعف الفعالية، هناك ظواهر تملص وتهرب من الحزب، تمرد باتخاذ مواقف وآراء مختلفة تعلن أحياناً بتجرؤ بعض أوساط السلطة تتداول إشاعات ذات دلالة كالقول أن رفعت الأسد عائد، وهو الشخص المناسب لإعادة الأمور إلى نصابها.. إنه ذو خبرة.. وهيبة وماضٍ كفيل بضبط الوضع.. أما الرئيس فهو ضعيف تكاد تفلت الأمور من يده، يصدر قرارات ولا تنفذ، البعض الآخر يشيع أن جماعة رفعت قد ساهمت في أحداث القدموس وهي المسؤولة عن تطورها على الصورة المعروفة.. وتضاف تفاصيل بأنه يحشد جماعته في لبنان بالتعاون مع بعض أطراف المعارضة والطوائف في طرابلس وريفها بوجه خاص.. هناك تأكيدات على نشاط بعض الرأسماليين الطفيليين الذين اغتنوا عبر العلاقة مع رفعت الأسد عملوا معه وحصلوا على فتات.. يتحركون في الواجهة أو الظل للعمل على عودته.. لهم حصص كبيرة أو يدعمون برامج محددة في محطات تلفزيونية وربما في الكواليس دون معرفة وثيقة من كامل الأوساط السورية الخارجية.. يشجعونه ويغطونه مالياً دعوات ومؤتمرات حوارية للمعارضة بإسم مثقفين سوريين موثوقين ديموقراطياً ووطنياً.
5 ـ بعض الأوساط السلطوية تشيع بصورة معاكسة أن رفعت الأسد بمثابة حصان طروادة (أمريكي ـ فرنسي) وهو مهيأ أو جاهز للعب هذا الدور، خاصة وأن الملك عبد الله صديقه ونسيبه بدرجة قرابة نسوية.. أو شريك مغامرات متنوعة داخل سوريا سابقاً، وأكبر داعم مالي له في بدايات نفوذه في سرايا الدفاع وقبل تحوله إلى أكبر وأخطر «ناهب» لثروات الوطن.. وإذا أضفنا إلى كل هذه الإشاعات المتعلقة بطلب الإدارة الأمريكية من السعودية سحب تأييدها للنظام السوري.. على الأقل نستطيع تصور معنى هذه الإشاعة حتى في حال عدم صحتها.. ويحكى أن السعودية أوقفت مؤقتاً إعطاء أذون دخول (فيزات) للسوريين.. أو تشددت كثيراً في ذلك.
6 ـ هناك إشاعات عن مؤتمر للإخوان المسلمين في لبنان.. أو اجتماع كوادر.. مع شيء من التحشد (حسب الإشاعة).. وإذا أضفنا مظاهر أو حقائق تزاحم بعض أطراف وشخصيات من المعارضة السورية على التحالف أو العلاقة مع الإخوان المسلمين.. نستطيع أن نتصور قراءة النظام للأمر.
7 ـ وعلى الرغم من بعض الإشاعات والقراءات المختلفة المتعلقة بانفراج في العلاقات الأمريكية ـ السورية.. إلاّ أن الوقائع تثبت أن الإدارة الأمريكية لا تزال فعلياً تتابع استراتيجيتها وقرارها.. تتابع ضغوطها بأشكال عديدة وأكثر من يعرف هذا هو النظام.. والأمر غير مقتصر على استمرار التصريحات الرسمية والإعلامية الصريحة والحادة.. بل يمكن ويجب قراءة مسألة رد الفعل في قضية الشاحنات الداخلة والخارجة من العراق، وقضية ترسيم الحدود مع الأردن... واعتقال أكثر من مائة شخص في حمص لوحدها.. ممن يمكن أن يكونوا قد تطوعوا أو فكروا بذلك، والإشاعات حول دور السعودية الجديدة. وزيارة رايس إلى لبنان.. ووتائر عمل لجنة التحقيق الدولية في قضية الحريري وإشاعات حول استدعاء مسؤولين سوريين ومنهم الرئيس للتحقيق معهم.. وجاء ذلك في الإعلام بعد خبر معاكس قبله بعدة أيام.. وحتى في حدود الإشاعة نستطيع تقدير هدف هذه الإشاعة وعدم لمس أي تغير في الموقف الأوروبي إشارة هامة بحد ذاتها.. وإذا أردنا أن نفكر بطريقة العكس فإننا لم نلمس ولم نسمع كما لم يسمع أحد بأي خيار أمريكي من داخل النظام.. لم نسمع بأي مباحثات علنية أو سرية في هذا الخصوص.. كل ما نراه ابتزازاً للنظام.. وخضوعاً من جهته بشكل خاص فيما يتعلق بالساحة العراقية..وفي كل الأحوال وفي إطار التحليل المنطقي نحن لا نعتقد أبداً أن المساومة التكتيكية مع الإدارة الأمريكية بموافقة الطرفين أو تغيير قرار الإدارة الاستراتيجي تجاه النظام.. لا نعتقد أن هذا يمكن أن يترافق بالقمع بأي شكل.. إذ ستظهر الإدارة أكثر انكشافاً على الصعيد الأخلاقي والسياسي فيما يتعلق بمشروعها وأهدافها المعلنة في المنطقة..
أما الشعور أو لمس التهدئة.. أو الوتائر الضعيفة في ضغوط الإدارة .. كلها ليست إلاّ انشغالاً أمريكياً بشروط معقدة وصعبة جداً الآن في العراق.. وإن تغير التكتيكات شيء مختلف عن القرار الاستراتيجي.. أما الإدارة فإنها تلعب على الزمن كما يلعب النظام.. وتحاول الإدارة خلق حالة سورية داخلية مواتية عبر اللعب على الاستقطاب وقسم القوى والمجتمع .. وايجاد اختراقات كثيرة، متنوعة بوسائل لا حصر لها.
وفي هذا الأمر علينا أن نفرّق دائماً بين قرار الإدارة الأمريكية واستراتيجيتها وقرار النظام واستراتيجيته.. بين معرفته بقرار الإدارة وسعيه الحثيث لتبريد الصراع وجعل الإدارة تتراجع ليصبح خيارها من داخله، بصفته القوة الفعلية القائمة والقادرة على التعاطي مع مطالب وسياسات وأهداف الإدارة. إنما ليس بدون ثمن أو بدون أن تلحظ مصالحه باستمرار وجوده في السلطة مع شيء من النفوذ الإقليمي ومسألة التسوية.. ودون فتح محاسبات قاسية على الكثير من رموز النظام في قضايا عديدة وهكذا لا يكفي أن يكون النظام مستعداً لتلبية الكثير من المطالب الأمريكية.. وأن يرغب بوجود خيار أمريكي من داخله.. الأمر يتوقف أولاً وأساساً على استراتيجية أمريكية عالمية.. وأخرى خاصة في منطقة الشرق الأوسط.. خاصة بمثل هذه الأنظمة.. بطبيعتها، بعلاقتها مع شعوبها.. بتركيبتها الاجتماعية وقدرتها على خلق توافق مع شعوبها أو تمثيلها بصورة ايجابية.. وهذه إشكالية كبيرة بالنسبة للنظام السوري.. فليست هناك ثقة أمريكية بتركيبته الاجتماعية وقدرته على تمثيل المجتمع.. وإرضائه بسبب رئيسي يتعلق باتكائه على العصبية المتخلفة في حماية ذاته.. وخلقه حالة شحن عميقة وتناقضية بينه وبين المجتمع ومن ثم فجوة واسعة وعميقة يصعب ردمها بأي خيار من داخله.. وأخيراً علينا ألاّ ننسى أبداً حقيقة وجود تناقضات فعلية في مسألة الصراع مع إسرائيل.. والجولان.. تناقضات تقوم على كامل الشرط السوري كما تقوم أيضاً على وجود شرط يتعلق بجزء هام من قاعدة النظام.. وهذا التناقض تريد الإدارة حله من منظور مصلحة الكيان الصهيوني على طول الخط وحتى الآن.. لكل ذلك نجد العلاقة.. علاقة تناقض وصراع.. كما هي علاقة تسويف وتقديم تنازلات.. القبول بها ومتابعة ممارسة الضغط والابتزاز من أجل غيرها.
ـ في إطار ذلك الصراع والاستقطاب بين الإدارة والنظام.. ومع تلك الحوادث والوقائع الخطرة والإشاعات والتفاصيل جاءت سياسات النظام بجملتها.. بين السياسة .. والاقتصاد. والأمن بشكل خاص.. وفي ذلك السياق بعد خروج النظام من لبنان بكامل ذلك السيناريو القاهر، الفضائحي.. والمذل أحياناً من قبل حلفاء وأصدقاء الأمس بخاصة، فقد النظام الكثير جداً من مكانته الإقليمية.. من دوره الإقليمي ونفوذه.. أنهت الإدارة الأمريكية ذلك بضربة واحدة.. على إثر ذلك فقد النظام حضوره وهيبته.. المستقوون بالعامل الخارجي والملاقون للوصول الأمريكي كثر.. لبنان كان حالة مطلقة في يد النظام.. فانفتح على عشرات الأطراف المتجرئة عليه والمعادية له.. ذلك الوضع خلق سلسلة من التفاعلات الداخلية في سوريا.. بشكل خاص تتابع عملية الصراع والاستقطاب الداخلي بالتمفصل على العامل الخارجي الأمريكي وحمايته.. أو الاتكاء عليه.. من يريده أو لا يريده من يستدعيه أو لا يستدعيه.. من يعاديه أو يمد له يده طالباً صداقته والتحالف معه.. كله متأثر به ويستفيد منه ومع التفاصيل الانفجارات الداخلية.. نجد أن النظام يعيش مرحلة انتقالية حرجة دفعته إلى سياسات تكيفية دفاعية جديدة ونعتقد أن الأمر الرئيسي يتعلق:
1 ـ بقيام خوف حقيقي من قبل النظام من عمليات انفجار أو انفلات احتقانات عصبية مختلفة قومية أو طائفية ستفتح الآفاق على احتمالات إضافية تزيد من ضعف النظام والمزيد من فقدان هيبته في عيون المجتمع.. وهذا سيؤدي إلى تهديد وجوده ومن منظوره هذا شيء هام وخطير، بل وجودي إن صح التعبير.. وبالتالي هناك ضرورة من منظوره أيضاً لضبط أي حراك.. ضبط أي امكانية تسمح بالانفلات مهما كان نوعه.
2 ـ يحاول النظام مجدداً أن يثبت أنه طرف قوي قادر على اللعب.. أن يعطي انطباعاً لوضعه ودوره في المنطقة مخالفاً للحقيقة.. إنه لعب على الزمن بمعنى آخر..
3 ـ يبدأ الأمر من الداخل (للأسف) إنه هجوم وقائي لضبط المجتمع المتجرىء بسبب توقعه الانفجارات وبسبب قيام بعضها الخطير والمهدد.. وهذا أمر غير معتاد عليه أبداً.. إنه في كل مكان حوله.. حتى في قاعدته الحزبية والاجتماعية..
كيف نقيّم هذه السياسات والتوجه؟! نعني أساساً سلسلة الإجراءات الأمنية الشاملة إنها سياسات تدفع إلى المزيد من الاحتقان والانفجار ففي ظل غياب أي هامش ديموقراطي.. ظل عدم التقدم بأي إنجاز قانوني أو سياسي آمن.. في ظل تأخير حتى إنجاز التوصيات والقرارات الحزبية التي لن تكون في أحسن الحالات إلاّ امتداداً للوضع القائم.. مع الإيحاء بالتطور الطبيعي الداخلي للنظام والمجتمع.. في ظل ذلك تحضر سياسة القمع المعممة وتحضر استراتيجية العامل الخارجي وفعاليته في الاستقطاب وقسم القوى... تحضر ردود الفعل العصبية والاحتقانات واحتمال الانفجار...
إننا في الوقت الذي ندين فيه ونرفض أي عملية انفجار أو انفلات على أسس عصبية متخلفة, ونعمل على عدم حصولها، كما نعتقد بضرورة ضبطها أمنياً في هذا الوقت بالذات، أول ما ندين ندين ردود فعل النظام الأمنية على نشاطات وحراكات المعارضة الديموقراطية والتي تعد جزءً لا يتجزأ من ممارسات النظام عبر العقود المنصرمة مما سمح بتقدم العصبيات وتقدم دور العامل الخارجي.. وخطورته، وسياسات النظام في كل ما تقدم محكومة ببنيته وطبيعته، ونهجه القمعي الشمولي، كما أنها محكومة بمصالحه الضيقة ووجوده السلطوي الاحتكاري منفرداً بكل شيء.. في أكثر المراحل خطورة على الوطن.
وبدلاً من أن يعتبر النظام بعض المؤشرات دوافع للإسراع بتنفيذ «عناوين» توصيات وقرارات مؤتمره وإعطائها أبعاداً أقل قمعية مما سيسمح بشيء من مشاركة المجتمع والقوى الديموقراطية فإنه يعتبرها حجة وسبباً في قمع أي حراك، إن تخوفاته وردود فعله تشله حتى عن التصرفات الأكثر ذكاءً وقدرة على تحقيق مصالحه فينتقل من خطأ إلى خطأ، فيستغل آثار الظواهر السلبية التي تقع مسؤولية الوصول إليها على عاتقه... يستغلها ليشعل الضوء الأحمر، ويزيد من الخطوط الحمراء، ليصبح كل شيء أحمراً وخطراً، هذه السياسة التي لن تفعل سوى خلق المزيد من التعقيدات أمام عملية الانتقال الديموقراطي، وتطيل في أمدها، وترفع من مستوى التكاليف في سبيلها مذكّرة بالماضي.. مما سيدفع مجموعات متزايدة أخرى إلى اليأس والإحباط فإما القناعة بأن الحل بيد العامل الخارجي، أو العزلة.
ـ أما من جهة المعارضة الديموقراطية فعليها التنبه الجدي إلى خطورة الشروط المحيطة بالوطن وخطورة ظواهر الاحتقان وبدء عمليات انفلات العصبيات المتخلفة، وأن تفكر جدياً بالتحول السريع إلى قطب أو قوة واحدة، أن تتنبه إلى خطورة الاستقطابات داخلها وانقسامها بشكل خاص على البرنامج الديموقراطي الوطني وتوافقاته، خطورة تمفصل بعض أطرافها على العامل الخارجي.. إن التوافقات الأكثر صحة ونضجاً وقدرة في المحافظة على وحدة المعارضة السياسية وتطوير نفوذها, وتطوير علاقاتها ببعضها.. هي تلك المنطلقة من المهمة المركزية في الحقل الديموقراطي بإلغاء احتكار السلطة.. وبموقف نقدي واضح، ورفض للعامل الخارجي الأمريكي ودوره السلبي في الاستقطاب وقسم القوى.. كذلك في التوافق على المرجعية الأكثر تطوراً من منظور قيمي، إنساني، ومن منظور قدرتها على محاربة العصبيات المتخلفة وتطوير الوحدة الوطنية، وتبنيها وثائق حقوق الإنسان، والابتعاد عن أي مرجعية عقيدية ضيقة أو خاصة، إذ لا تفعل سوى المزيد من الشحن، والاحتقان والانفجار في ظل غياب أي هامش ديموقراطي ـ قمع المجتمع وعزلته ودمار قوى المعارضة.
ـ ومما تقدم ـ نرى الخطر الإضافي على الوطن استمرار المعارضة على حالة الشلل والانقسام، ثم الاذعان أو الخوف من سياسات النظام الأمنية، المعارضة بذلك ستتوافق مع أهدافه بعزلها عن النشاط في المجتمع أو منعها من تطوير وضعها الذاتي، وعلاقاتها مع بعضها إذ سيحصل ذلك على الأقل بصورة موضوعية من خلال منع أي حراك أو اجتماع.. ثم هدفه بدفعها إلى العمل السري مجدداً، أو الاستفراد بها قوة خلف أخرى وإيقاع عقوبات ردعية تخلق المزيد من الشلل والانقسامات والاتهامات في صفوفها.
إن نهج النظام وسياساته الآن واضحة الأهداف والوسائل، آثارها ونتائجها واضحة أيضاً. أما المعارضة فهي الطرف المتلقي، المنفعل، المنقسم على ذاته وبدون سياسة محددة، وعلى الرغم من معرفتنا بوضع المعارضة السلبي والتعقيدات الشديدة المعيقة لتطورها، مع ذلك ستبقى هي الأمل في الإنقاذ، خاصة إذا تنبهت إلى مخاطر انقسامها على بعضها بالمقارنة مع مستوى تماسك اللاعبين الأكثر قوة وتأثيراً. والأكثر تسبباً في المخاطر الواقعة على الوطن.
ـ إن تقدم المعارضة لتكون قطباً واحداً على تلك التوافقات، وإصرارها على مواجهة الواقع الذي تحاول السلطة فرضه، واتخاذ سياسة موحدة متنبهة إلى خطورة المرحلة، ومخاطر الاحتمال الحقيقي في قيام «حرب الجميع ضد الجميع»، والإصرار على متابعة النشاط الديموقراطي العلني والسلمي والتدريجي، وقطع الطريق في إجبارها على العزلة والصمت والانقسام والإحباط، قطع الطريق على استفراد النظام بإدارة الأزمة.. بذلك ربما تفتح أفقاً أو أملاً في إنقاذ الوطن.
ثانياً ـ «الليبرالية» تنبت كالفطر في سوريا:
من موقع النقيض والذي «ربما» يقوى بالنقيض الآخر.. «وربما» يقوى بها الوطن بقيام وعي ديموقراطي متطور، وممارسات ديموقراطية موافقة لذلك الوعي، وغير ادعائية، كذلك وجود وعي وقوى اجتماعية جادة ذات بنية مناسبة وجهد وطني شامل من أجل مشروع تنمية متطور، ونضيف: صحيح أننا اشتراكيون وشيوعيون في صف العمل، الموقع النقيض للرأسمالية.. إلاّ أننا لسنا من الجهل بحيث لا نعرف ماذا جرى في العالم.. وأن الاشتراكية غير مطروحة على جدول الأعمال القريب خاصة في بلد كبلدنا أو بحيث لا نعرف أن الرأسمالية سائدة وستسود إلى زمن غير قريب.. أو لا نعرف أن برنامجنا وتكتيكاتنا إلى مدى بعيد نسبياً في إطار الشروط السائدة في العالم.. تدور من أجل تجذير البرنامج الديموقراطي وفي أولوياته ما بعد السياسية إيجاد أو تسهيل شروط قيام تجربة تنمية متطورة يشترك فيها الجميع.. وليست لدينا أية أوهام بأنها غير رأسمالية.. لكن بين رأسمالية ورأسمالية بين نظام رأسمالي وآخر.. تجمع رأسمالي وآخر فئة وأخرى وعي رأسمالي وآخر ـ فروقات شاسعة ـ أليس النظام القائم الآن نظاماً رأسمالياً فماذا فعل بالوطن؟! كم في الرأسمالية من أنظمة استثناء، كم فيها من أشكال متخلفة وتبعية، طفيلية وعاجزة.. ألسنا في العالم المتخلف. مختبر التجارب أو النتاج التابع والمنفعل عموماً للعالم الرأسمالي المتطور.. مما اقتضى ولا يزال جهداً وطنياً وبرنامجاً وطنياً متميزاً على الصعيد الديموقراطي والبنية المتطورة لفئة رأسمالية متجرئة وتعرف حاجات الوطن في شروط العالم القائمة.. وجملة هذه الاعتبارات لا تشوش بأي قدر على خيارنا لصف العمل وتبني برنامجه ومصالحه والتكتيكات المناسبة لأجلها، بل على العكس تماماً.. ذلك الوعي يجعلها حية وحاضرة كما هي صحيحة وواقعية وبناءة في النضال السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. وخيارات التحالفات في كل شرط من منطلق تلك الاعتبارات الأساسية، نهتم بزروع الليبرالية.. بالأرض التي تنبت بها والشروط العالمية (بوجهيها) التي تمثل إطاراً أساسياً لها.. تشق طريقها عبر تلك الصعوبات مرة بالتوافق وأكثر المرات بالصراع.. ليس هذا فحسب بل نراقب بدقة خطاب الليبرالية وتركيبة حملتها ثقافياً وسياسياً بعد ضرورات المعرفة الدقيقة لأصحابها وحملتها طبقياً واجتماعياً.. من تلك المنطلقات سنحاور الليبرالية بكل صنوفها وتلاوينها، وعندما نتلمس، ونجد ذلك الصف المعني حقاً موضوعياً وذاتياً بالانجاز (الديموقراطي ـ الوطني) المتجذر في أي حدود فإننا سنتحالف معه وندعمه في نفس الوقت الذي ندافع فيه بصورة شاملة عن برنامج صف العمل في ذلك الإطار التاريخي.
وفي حدود الحاجات في مثل هذا التقرير وعلى ضوء ما رصدناه حتى الآن نتقدم بعدد من الملاحظات الأساسية على الظاهرة الليبرالية..على أن نتابع الأمر قريباً ببحث حواري نقدي أكثر شمولاً ودقة.. على نفس المناحي ومناح أخرى مختلفة.
1 ـ المشكلة الجوهرية في الخطاب الليبرالي على تنوعه هي الغياب التام للدراسة الشاملة أو حتى البحث بالعينة أو البحث الميداني لحقيقة الرأسمالية كطبقة وفئات مختلفة في الواقع السوري ـ أي غياب التقييم الموضوعي والتاريخي لإمكانية وحقيقة وجود الليبرالية؟ وأي ليبرالية هي؟! وهل وعيها ذاتي أصيل؟! بمعنى ديموقراطي تنويري وتنموي متطور أو أنها رأسمالية تابعة ..إلخ ربما هناك معرفة فعلية بطبيعة رأسماليتنا وماذا فعل النظام بها؟ وماذا فعلت بنفسها؟! موقفها الذي اتسم عموماً بالتواطؤ مع النظام بالتخاذل والجبن.. بحيث لا نستطيع الآن أن نقرأ أي تاريخ نضالي لها في مواجهة النظام سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي (نعني بشكل خاص الاتجاه الليبرالي فيها). ومن حيث التركيب البنيوي لرأسماليتنا ربما يعرف الليبراليون أنها بكتلتها الكاسحة وللأسف يصح عليها التعبير المجازي (رأسمالية أصولية) التي اشتركت في صراع السبعينات فعلياً إلى جانب التيار الديني إذ شكلت قاعدته الاجتماعية الواسعة.. اشتركت في ذلك الصراع بأشكال كثيرة.. وحتى الطرف الأكثر استنارةً فيها (بورجوازية دمشق) اشتركت أيضاً في الصراع على طريقتها (الكولكة) إنما ليس خارج الاصطفاف الأصولي بجسدها الأساسي.
إن الخطاب الليبرالي الآن يفتقد إلى أي إشارة حول الرأسماليين الليبراليين الفعليين. نشاطاتهم المحددة اقتصادياً، المؤسسات والهيئات التي تضمهم لوحدهم أو مع غيرهم من الرأسماليين.. هل هي غرف التجارة والصناعة والسياحة، والجمعيات والنوادي؟! أم فيها جميعها!! وفي هذه الحالة: من هي أهم رموزهم؟ وكيف يتحدد هذا؟ بخطاب مكتوب، منقول شفهياً، أم علاقات ونشاطات مع جهات سياسية خارجية وداخلية؟!.
أما من جهتنا فنعتقد أن الكتلة الرئيسية لليبرالية بالمعنى البنيوي التركيبي.. فهي أكثر أنواع الليبرالية سوءاً.. هي نفسها التي ولّدها النظام.. ربّاها.. وكانت واسطة آلاف البورجوازيين البيروقراطيين إلى السوق وتبييض نتاج النهب والرشوة والخوات.. (في قطاع الدولة أولاً.. ثم بقية القطاعات).. نموذجهم تلك المئات من الرأسماليين الذين رافقوا محمد مخلوف في وفد كبير إلى فرنسا قبل حوالي سنة!! نموذجهم الآن يسعى ليكون وسيطاً إلى الخيار الأمريكي من داخل النظام يتمثل بأكبر حيتان النهب، والدعم للسلطة، ومشاركتها إياه في القمع.. عبر التشارك الاقتصادي وتقاطع أكثر العصبيات تخلفاً.. هكذا لا نعتقد (إلاّ إذا كنا ساذجين كثيراً) بأن هذه الليبرالية هي أبطال وأحصنة نخبتنا الليبرالية (السياسية والمثقفة).
2 ـ هل الملاحظات والوقائع السابقة هي التي جعلت الخطاب الليبرالي (للنخبة) يتغنى بماضي الليبرالية السورية وأحزابها ورموزها.. إلى درجة يصبح فيها ماضي وتاريخ أحد الليبراليين (المليونير الأحمر الشهير) كافياً بحد ذاته لإنشاء حزب ليبرالي جديد. (مع تقديرنا واحترامنا الشديد للمرحوم خالد العظم) خصوصاً وأن المرحوم العظم كان يمثل الفئة الأضعف في بنية البرجوازية السورية الحديثة.
لاحظوا كم هو هذا الخطاب تأملياً، ويقوم على المنطق الذهني!!.
3 ـ وباعتبار أننا لسنا ساذجين كثيراً.. فلقد وجدنا الخطاب الليبرالي بجميع أوراقه (تقريباً، أو ما عدا بعض الاستثناءات النادرة) وجدناه سيوصل بداهة إلى السقوط بين أحضانه أكثر الفئات الرأسمالية سوءاً ـ أنت كنخبة ليبرالية تتكلم ما تريد وما تطمح إليه.. وهي تفعل ما تريد ـ تقوم بفعلها الاقتصادي وتحالفاتها.. غير المباشرة أو المباشرة.. أو تتوسط للخيار الأمريكي ليكون هجيناً أساسه النظام ثم البقية.. (وعليكم أن تتصوروا أي هجين هو) وعلى اعتبار أن لا شيء يتوقف وإنما يتطور فما الذي يمنع أن تأتي الليبرالية بهذه الطريقة وبالتالي يصبح حماة الشمولية والقمع.. حماة الديموقراطية (أو الليبرالية التنويرية).
4 ـ الخطاب الليبرالي القائم متنوع إنما ملتبس.. بعضه تنويري فعلاً يستمد أساسه من عصر النهضة الرأسمالي ومن محطات التنوير العربية والسورية وهذا الأمر إشكالي بحد ذاته عندما يعزل نفسه عن (الليبرالية التنويرية المعاصرة) التي تتميز بموقف ديموقراطي نقدي حقيقي تجاه الهيمنة والطغيان الأمريكي في العالم.. كما تتميز بالتصاقها برنامجياً بدولة الخدمات المتطورة والدفاع عن الكثير من المصالح الاجتماعية. أما الالتباس الثاني فيأتي من الموقف السياسي لخطاب الليبرالية في سورية تجاه العامل الخارجي وكامل منظومة المفاهيم اللاحقة.. يتأتى من قناعة غالبيتهم السياسية، أن أفق الانتقال الديموقراطي العلني والسلمي والتدريجي قد أغلق ولا مجال لفتحه إلاّ بالتدخل الفعلي للعامل الخارجي (الأمريكي تحديداً).. وبالتغاضي عن الوسائل في الكثير من الأحيان مما يسوغ التدخل بالوسائل العسكرية.. وكل ذلك يضع مثل هذه الليبرالية دفعة واحدة في صف الليبرالية الجديدة التي تمثل انتكاسة (سياسية وأخلاقية) بشكل خاص عن الليبرالية التنويرية القديمة فكيف بالتنويرية الحديثة.
5 ـ وإذا أخذنا بعين الاعتبار ضرورة بل حتمية معرفة الإدارة الأمريكية بكامل الشروط السورية أي ـ ما أوصل إليه النظام، الوطن وعوامل الوحدة الوطنية من الهشاشة والاحتقان وإمكانية انفلات العصبيات المتخلفة بحكم عزل المجتمع وتدمير أي حراك سياسي بما فيه تدمير المعارضة على مدى عقود من القمع المعمم.. ومعرفتها بالفجوة القائمة بين النظام والمجتمع، معرفتها بنهج النظام باحتكار السلطة، واحتكار إدارة الأزمة والتمسك بكل شيء وإيصاله معه إلى حافة الهاوية يحق لنا أن نستنتج أن ذلك الصراع باستراتيجياته والتكتيكات المتبعة فيه بين الإدارة والنظام سيوصل الوطن إلى التدمير الشامل وحرب الجميع ضد الجميع وفي أحسن الحالات وعبر التدخل الخارجي لن نصل إلاّ إلى توافق طائفي متخلف حتى ولو استخدمت أرقى التقنيات الديموقراطية.. فالعامل الأمريكي على الخصوص ليس عامل توافقات داخلية بالمطلق.. بل هو عامل تمزيق وإثارة خلافات خاصة بسبب السلوك الأمريكي (الإدارة) العالمي الذي لا يشكل مثلاً أخلاقياً يحتذى، فالعالم الرأسمالي برمته يعاني منه. والتجارب المتطورة في العالم الثالث تعاني منه.. وموجة الصراع مع الإسلام تحفز انقسامات شديدة يصعب أن تهدأ الآن.. أخيراً فنعتقد أنه يستحيل إدارة الظهر لموقف الإدارة تجاه المشروع الصهيوني اللا أخلاقي في المسألة الفلسطينية.. بكل ذلك لا يمكن لأي ليبرالية ديموقراطية فعلياً.. تنويرية فعلياً.. وطنية فعلياً.. أن تكون على الحياد تجاه الإدارة الأمريكية.. بل يجب أن تكون في الموقع النقدي كما هو حال الليبرالية التنويرية ونخبها المتطورة في العالم الرأسمالي.. فكيف يجب أن يكون الأمر عندنا وقضايا الخلاف أكثر اتساعاً مع الإدارة.. كما أنها أكثر وضوحاً.
6 ـ أكثر الآراء انكشافاً وخطأً وضعفاً في المسؤولية الوطنية من منظور العلاقة بالعامل الخارجي (الأمريكي) نراها معششة في الوسط الليبرالي بأشكال ومفاهيم عديدة.. أهمها مفهوم المنظومة الواحدة المترابطة إذا كانت المهمة الديموقراطية مهمة مركزية.. ويعني ذلك من وجهة نظرهم ضرورة الانضمام دفعة واحدة إلى الصف الديموقراطي العالمي.. هكذا دون تمييز بين ديموقراطية وأخرى بين ليبرالية وأخرى.. ومن دون الاهتمام بالتناقضات الخاصة القائمة.. فتصبح الإدارة الأمريكية مثل أي دولة أوروبية أو أي حزب أوروبي ديموقراطي ليبرالي متطور ومستنير.. له موقف نقدي من الإدارة واستراتيجيتها الهيمنية وتكتيكاتها الميكيافيلية في الكثير من الأحيان. ويصبح جوهر الأمر في الموقف من إسرائيل والاحتلال الأمريكي في العراق أو قضايا أخرى هو ضرورة إيجاد الحل السلمي الديموقراطي.. وليس الانتقاد الأخلاقي الصادق للاحتلال وبنفس الوقت انتقاد الإرهاب والعنف المدمرين حيثما جاء.. من الدولة أو الأصولية التكفيرية المتعصبة، كما يوجد آراء ليبرالية ربما بغالبيتها تصل إلى ذلك الموقف المتهادن وغير المسؤول، غير الدقيق.. تجاه العامل الخارجي والأمريكي تحديداً.. من خلال التهوين في الشروط والمخاطر المحتملة على الوطن.. فتقول أن لا خطر على الوطن.. الخطر على النظام فحسب.. وتتهم الآراء الأخرى بالتهويل، أي تهويل إن كانت الليبرالية نفسها متفقة مع الآخرين على ما أوصل النظام إليه الوطن من هشاشة وبؤس في عوامل الوحدة الوطنية.. وأي تهويل إن كنا نرى ونسمع بالانجازات المتخلفة وفي هذا السياق نأسف أن يعتبرها البعض أنها نضالات ديموقراطية يجب تشجيعها والالتحاق بها، أليس هذا وجهاً آخراً لنفس عملة النظام في نهجه وسلوكه عموماً!! وإن كنا متفقين على حقيقة نهج النظام واستمرار احتكاره للسلطة وإدارة الأزمة.. ويصل البعض حدوداً لا عقلانية في الرأي القائل أن الإدارة الأمريكية موضوعياً وذاتياً إذا تدخلت بكثافة بل سريعاً وبصورة عسكرية فهي التي ستمنع خطر الانفلاتات والانفجارات المتخلفة وستمنع أي مشروع تقسيمي في الوطن.. وكأن الوطن برمته اجتماعياً وسياسياً في الموقع الليبرالي ينتظر أمريكا.. وكأن لا خلافات أبداً مع الإدارة، وكأن لا صراع إسلامي مع الإدارة.
7 ـ وعندما كانت أكثر الانقسامات في داخل النخبة السياسية المعارضة على قضايا البرنامج الديموقراطي الوطني تقوم الآن في الصف الليبرالي بسبب موقف العديد من أطرافه من العامل الخارجي الأمريكي مما يؤدي إلى الاستقطاب والانقسامات في صفوف المعارضة الديموقراطية الوطنية، واتساع الأمر وصولاً إلى تبديد الطاقة الوطنية. في حين يماشي النظام السياسات التشجيعية لزيادة الاستقطاب والانقسام سواء بصورة إرادية واعية أو غير واعية. ونعود إلى الطرف الليبرالي، هل يعتقد أن أمريكا ستوقف ضغطها وتدخلها إذا قامت المعارضة الديموقراطية السورية بتحديد موقف انتقادي مقاوم للتدخل خاصة وأن هناك اتفاقاً معمماً على أن المهمة المركزية تقع في الحقل الديموقراطي وبالصراع مع النظام بالوسائل السلمية والديموقراطية من أجل إلغاء احتكار السلطة وقيام نظام ديموقراطي معاصر.. فلماذا يضيع الليبراليون فرصة وحدة المعارضة الديموقراطية، وحدة مهمتها المركزية.. وبرنامجها الديموقراطي الوطني الواحد.
8 ـ لقد لاحظنا أشياء مدهشة في خطاب بعض الليبراليين، ومنها استخدام الديماغوجيا والاتهامات غير الصادقة وغير الدقيقة والانتقال ضد المعارضة إلى أكثر المواقف الأيديولوجية سوءاً.. من أجل طرح برنامج الليبرالية.. كبرنامج بديل انقاذي لكل ما هو قائم، هل يحتاج ذلك إلى المساواة الساذجة بين النظام والمعارضة برمتها (في حقل الاستبداد)؟! هل يحتاج الأمر لرمي الوقائع التاريخية واتهامها أن لها نفس البرنامج الاجتماعي والسياسي وأن أساسه مركزياً الموقف في المسألة الفلسطينية ومديح المقاومة العراقية «الارهابية والأصولية»؟! هل يكفي الليبراليين نقل فقرات برامج المعارضات السورية القديمة والجديدة والمهمات المطروحة والشعارات ليظهروا (ولن نقول إلا أنهم غير دقيقين أو يلغوا التاريخ) الفروقات في البرنامج والمهمات المركزية.. ولتظهر أسباب الاعتقالات الجديدة.. والثمن الباهظ الذي دفعته العديد من أطراف المعارضة الجادة على شعارات (التكفير الديموقراطي، في شعار دحر الديكتاتورية.. إلخ) أم يعتبرون الأمر من وجود المعارضات في رحم أمهاتها أنها استبدادية وشعاراتها وبرنامجها كاذبة والصراع يدور مرة أخرى من أجل سلطة جديدة احتكارية واستبدادية.. وكأن مفاهيم الديموقراطية أبدية.. الرأسمالية على صواب مطلق وديموقراطية بالمطلق (ولم تخلق أي استثناءات مرعبة من أجل مصالحها الاقتصادية) وكأن اليسار هو الذي خلقها، وكأن الرأسمالية ليست هي الحاضن والمنتج للاشتراكية التي لا تزال في موقع الدفاع المطلق عن نفسها في مواجهة قرار الرأسمالية الأبدي (على الأقل سابقاً) بمنع أي انتصار اشتراكي سلمي أو عنيف..
وإن كنا سننتقد الطرح الليبرالي بشكل عام إلا أنا سنوجه الانتقاد بشكل رئيسي إلى الليبراليين «الجدد» لكونهم دفعوا ثمناً باهظاً في المعتقل وقد سبق لهم وانتقدوا سياسات حزبنا تجاه النظام في حقل الديموقراطية برفعه شعارات دحر الديكتاتورية وانتزاع الحريات السياسية ومن موقع بني على أساس الموقف الوطني للنظام ضد إسرائيل والإدارة الأمريكية آنذاك. واستناداً على ذلك الموقف فقد رأوا أن الحزب لو كان حصيفاً لما وقعت تلك الاعتقالات ولما تطلب الأمر ذلك الثمن الباهظ.. بالطبع من حق المرء أن يغير موقفه.. لكن عليه أن يكون موضوعياً وانتقادياً تجاه نفسه وغيره.. وفي ذلك الإطار هل يكفي القول أن بنية النظام وبنية المعارضة اجتماعياً هي في تركيبة واحدة مما يسمح بالاستنتاج أنهما استبداديان بالتالي نصل إلى (حمى الله ليبراليينا.. إنهم من دم رأسمالي ليبرالي صافي لا علاقة لهم بالنخبة والفئات الوسطى) أو كأن الفئات الوسطى لا تحتمل أبداً أن تنتمي إلى برامج اجتماعية وسياسية مختلفة. لماذا كل هذه الديماغوجيا وإلغاء الوقائع والتاريخ.. هل للقول أن الانقاذ بالليبرالية والليبرالية فقط وكل ما عداها كان استبدادياً.. مدمراً وخاطئاً.. وغير تاريخي..؟.
9 ـ إن كامل الشروط التي ذكرناها مكثفة.. وللأسف تحتمل أساساً وتضع غالبية ليبراليينا في صف الليبرالية الأكثر تخلفاً والأقل استنارةً.. لسان حال رأسماليتنا يقول لهم.. اكتبوا ما تريدون.. قولوا ما تريدون.. ونحن نفعل ما يريد تاريخنا وبنيتنا وطبيعتنا.. ولسان حال «الليبرالية الجديدة» العالمي.. والعولمية بقيادتها الطغيانية (الإدارة الأمريكية).. يقول.. النظام حتى الآن صاغ رأسماليتكم كما أراد وقاد جوقة الرأسمالية.. ونحن الآن عاجزون عن صياغة كتلتها الحاسمة.. البورجوازية «الأصولية» وكل ما يتعلق بالإسلام السياسي والاجتماعي والثقافي.. والباقي منها يتوسط للنظام ونحن لا نرضى بهذا الخيار.. سنصيغ الجميع كما نريد، أما لسان حال التاريخ فيقول أن اللوحة بجملتها تحتمل خيارات مختلفة.. وتتطلب موقفاً مختلفاً.
10 ـ أخيراً.. كل ما طرحه ليبراليونا خاصة ذوي الخلفية اليسارية الشيوعية إن طرحوه من أجل الديموقراطية، أو من أجل تقوية طرف رأسمالي متطور وليبرالي حقيقي, أو من أجل شكل رأسمالي يتجاوز بورجوازية الدولة البيروقراطية.. فنعتقد أن خيارهم مرة أخرى لا يزال في صف (قوة العمل) وليس في صف الرأسمال بكال تلك اللوحة العالمية والمحلية.. نعتقد أن يساراً ديموقراطياً قوياً (وهذا متاح في سوريا) لا يزال يسمح لهم بتحقيق تلك الأهداف بصورة أفضل من كل المناظير والزوايا.. إلاّ إذا انتقلوا كلية إلى صف النظام الرأسمالي وما تعنيه الملكية الخاصة المقدسة وما تفترضه من أبدية الدفاع عنها، وما تفترضه من موقف تجاه (الآخر) الذي يتجاوز مفاهيمهم الديموقراطية والأخلاقية الآن بالموقف من الديموقراطية والحرية باعتبارهما قيمة بحد ذاتها بعيداً عن أي مفهوم اقتصادي.. أو مصلحة ضيقة.. إذ حان الوقت لتناضل الإنسانية من أجل ذلك. والأفق التاريخي سيعطيها من دون أبدية السوق وقوانين السوق.. وهذا هو واحد من أهم ميادين الصراع والتنافس الاجتماعي والسياسي والأخلاقي السلمي والديموقراطي.. إلى المستقبل.
ثالثاً: حول «حوار اليسار»:
جرت عملية تقييم أولية لهذا الحوار ووضع أطرافه. بالنسبة لنا سنتابع اهتمامنا وجديتنا في هذه المسألة في إطار وعينا وفهمنا لحزب يساري من طراز جديد.. دون رهن سرعتنا ونشاطنا الخاص بعد الآن بأوضاع هذا الحوار حاجات الواقع، حاجاتنا السياسية والتنظيمية وضرورة القيام بمراجعتنا الخاصة وبلورة خط نظري سياسي.. هذا كله يحدد سرعة خاصة.. وبقية الحوارات والاتفاقات بين مجموع الأطراف والفعاليات اليسارية تحدد سرعة أخرى هي دائماً للأسف أكثر بطئاً وأقل فعالية..
ونحن نحيل دائماً إن كان في حوارنا مع الرفاق حزب العمال أو المجموعات اليسارية الأخرى.. إلى تحديد وتدقيق وبلورة خطوات وإعلانها عندما يتم الاتفاق عليها.. نحيل إلى رفع عدد المتحاورين من كل طرف.. وإلى تعميم النتاجات على الأطر والوسط السياسي..
في كل الأحوال ما قطع حتى الآن وآفاق تلك الحوارات نعتقدها ستكون إيجابية ومثمرة وسنسعى دائماً لتطويرها.
رابعاً: حول المعارضة:
بالإضافة إلى كل ما عرضناه في القسم الأول من التقرير: كذلك الفقرة الخاصة بالليبرالية والتركيز الجزئي عليها بحكم جدتها وأهميتها كظاهرة.. فلا يوجد شيء جديد يستحق الاهتمام في صفوف المعارضة بكل تياراتها.. الشيء الوحيد المستمر هو شدة الحساسية والتناقض بين الحلقة الكردية والحلقة العربية.. وغياب المساعي الفعلية لتخفيف ذلك.. كما أن هناك ظواهر جديدة في إطار الحلقة الكردية.. أهمها مساعي السلطة والأجهزة لخلق تناقضات في تلك الحلقة وضبطها.. وردود الفعل على ذلك.. بالإضافة إلى ظاهرة التهديد بالاغتيال والاغتيال الفعلي لعدد من الكوادر في إطار ظواهر الانشقاقات الحزبية.. وهناك ظواهر أخرى تستحق الاهتمام.. العلاقة الجديدة وتشكيل هيئة مشتركة بين (التحالف والجبهة) كذلك ظواهر حوارات لعمليات توحد بين أكثر من طرف حزبي.. كلها لا تعرف القوى السياسية المعارضة الأخرى عنها الشيء الكثير.. لا تعرف شيئاً عن التقاطعات السياسية، البرامج.. إلخ. نعتقد أن الحركة الكردية هي المسؤولة في ذلك بصورة أساسية، هذه مسائل وطنية عامة تستحق التعميم.. والتشارك التشاوري أو الحواري.
أخيراً:
1 ـ تم الاتفاق على نشر وتعميم محاضر الجلسات كلها في لجنة صياغة الخط النظري والسياسي بدءاً من الحوار ومراجعة الماركسية القائم الآن، وصولاً إلى كامل العناوين والموضوعات ليكون إطارنا والوسط السياسي والثقافي في صورة هذا الأمر والتفاعل معه بالمحتوى والشكل الذي يريده..
2 ـ تم تحديد المشاريع والقضايا التي ترفع إلى المركزية.. وطرق التعامل معها لانجازها في الوقت المناسب.
آب 2005 المكتب السياسي لحزب العمل الشيوعي في سوريا



لنناضل معاً من أجل إزاحة كابوس القمع
لنناضل معاً من أجل وطن حر وشعب حر


برنامج الأمم المتحدة الانمائي
الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي
برنامج الخليج العربي لدى منظمات الأمم المتحدة الانمائية
تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2004
الكاتب نادر فرجاني، مجلة" وجهات نظر"، 22 في تموز/يوليو 2005
نذير جزماتي
بعد تأخير دام ستة شهور بسبب ضغوط مارستها بعض الحكومات العربية بالاضافة الى الادارة الأميركية الحالية، وبعد معركة شرسة في أكثر من ميدان صدر تقرير التنمية الانسانية العربية، الثالث، وموضوعه،النقص في الحرية والحكم الصالح في البلدان العربية، في شهر ابريل/نيسان الماضي .
ومن الجدير بالذكر أن هذا التقرير المشكل صدر برعاية مؤسسية أوسع من سابقيه، تضم منظمتين عربيتين(الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي وبرنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الانمائية) بالاضافة الى المكتب الاقليمي للدول ، وان سعت جميع المؤسسات الراعية الى التنصل من كامل مضمون التقرير في تصديرها له. وهو أمر يحسب لفريق التقرير، وللمنظمات الراعية كليهما، اذ يعزز من استقلالية محتوى التقرير، حتى عن مؤسسات الرعاية له.
ولقد صدر التقرير بدون"أي تنازل في المبدأ أو الموقف". ممايعد انتصاراً للحرية، ولمحبي الحرية في الوطن العربي، ودون مغالاة، في العالم أجمع حيث امتدت معركة محاولة حجب التقرير الى خارج المنطقة العربية.
ويبدأ هذا المقال بعرض خاطف لجوانب أساسية من الأساس الفكري للتقرير واستخلاصاته ، واستشرافه لأبعاد المستقبل العربي، تمهبداً لمناقشة بعض القضابا الاشكالية الحالة في مسيرة الحرية في الوطن العربي.

تمهيد: عن الجمر والرماد
الرسالة الأساسية لهذا المقال هي أن التوق للحرية في الوطن العربي متقد كالجمر تحت رماد كثيف أهالته على أشواق الشعب العربي للحرية، عقود وقرون من الاستبداد والقهر. فإن دام عصر الانحطاط قروناً سبعة، فلعل العقود الخمسة الأخيرة تمثل تصاعداً فيما اسميه الاستبداد الجهول الظلوم المفتقد للكفاءة، إلا في قهر الناس وإشاعة الجور في الأوطان.
ومع ذلك يبقى جمر الشوق للحرية متقداً تحت رماد القهر، ينتظر الظروف المواتية ليشتعل قاضياً على بنى الاستبداد بمصير الشعب العربي في الداخل واستباحته من الخارج، ومطهراً الوطن تمهيداً للتحول نحو تمام الحرية.
هناك، ولا شك، اشكاليات تعقد من امكان بدء مسيرة النضال من أجل الحرية، ووصولها الى بر الأمان الذي يتمتع فيه العرب جميعاً بالحرية تامة. ولا خلاف في أن النضال من أجل الحرية لن يكون نزهة بلا تضحيات أو تكاليف ربما قد تقاعست عنها النخب العربية المثقفة خاصة حتى الآن.
ويمكن اعتبار تقرير "التنمية الانسانية العربية" الثالث، مساهمة في استنهاض الهمم، خاصة بين النخب المثقفة ما يستدعي لمحات خاطفة لمضمونه الجوهري.
قيمة الحرية، بين العرب والغرب
" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحراراً" عمر بن الخطاب
في اشارة رمزية بارزة، تتصدر مقولة الفاروق عمر بن الخطاب(القرن السادس الميلادي) غلاف التقرير، بجميع اللغات، تأكيداً على أن الحرية قيمة راسخة في التراث العربي وساكنة للوجدان العربي منذ قرون عديدة.
والمغزى المفهومي لهذه المقولة، فائقة البلاغة، من أكثر من جانب. فلعل هذه المقولة من أولى صياغات الربط بين الحرية والميلاد، أي ضمان الحرية للكائن البشري لمجرد كونه انساناً وبمجرد ولادته. وهو المبدأ الناظم لمنظومة حقوق الانسان التي تعد من أرقى الانحازات القيمية للبشرية بعد مسيرة طويلة وعثرات شديدة على الطريق.
(يمضي الكاتب الفرجاني مسافة طويلة وهو يناقش آراء بوش وبلير.....) .

استقرت منهجية تقرير "التنمية الانسانية العربية" ابتداء من الاصدار الثاني على أن ينقسم التقرير الى قسمين رئيسيين، يتناول الأول مجمل مسيرة التنمية الانسانية في الوطن العربي بينما يقدم الثاني معالجة متعمقة لواحد من نواقص التنمية الانسانية في البلدان العربية وتصورا استراتيجياً للتغلب عليه.
يشدد التقرير على أن أزمة التنمية الانسانية في البلدان العربية لم تشهد انفراجاً يُعتد به- بل يمكن رصد انتكاسات في مضمار الحرية، خاصة على بعد التحرر الوطني.
ويؤكد التقرير على أن الاحتلال الأجنبي اغتيال لأصل من أصول الحرية، أي الحق في التحرر الوطني وتقرير المصير. وان الاحتلال الأجنبي لأراض عربية لازال يفت في عضد الأمة، بل استشرى ( أضيف العراق الى فلسطين في مطلع القرن الواحد والعشرين كفاتحة للمخطط الاستعماري الأميركي في المنطقة، وفي العالم عبرها).
واذا أضفنا الى الاحتلال الأجنبي المباشر تسابق دول عربية الى استضافة الوجود العسكري الأجنبي، بل والسماح باستخدام أراضيها المضيفة للقواعد العسكرية الأجنبية لغزو العراق واحتلاله، والتمكين لأشكال أخرى من النفوذ الأجنبي السافر والمبطن، انتهاء بمهادنة أو مصادقة دولة اسرائيل-العنصرية، والعدوانية والتوسعية- المحتلة للاراضي الفلسطينية لأطول من نصف قرن، وما فتئت ترتكب الفظائع والجرائم ضد الانسانية تلو الأخرى في الأراضي العربية المحتلة.
وبالنسبة الى موضوع الساعة، أي الاصلاح، يخلص التقرير الى أن الاصلاح الجزئي والتجميلي لم يعد يكفي، بل ربما لم يعد ممكناً من الأساس نتيجة لتعقد أزمة التنمية الانسانية وتشابك جوانبها. ومن ثم فان الاصلاح الشامل، ومحوره الأساسسي الاصلاح السياسي، لم يعد يحتمل التأجيل أو التباطؤ. وإن أقر التقرير بوجود اصلاحات جنينية ومتناثرة في بلدان عربية لكنها لاترقى لمتطلبات مجتمع الحرية والحكم الصالح. ويخشى أن تبقى اصلاحات تجميلية وهامشية تعطل الاصلاح العميق الجذور.
مفهوم الحرية: ينتظم مفهوم الحرية في التقرير على ثلاثة مستويات متضافرة: الفرد/المجتمع/ الوطن.
يطلب المفهوم، على مستوى الفرد، الاحترام التام للحريات المدنية والسياسية، ولكن أيضاً القضاء على جميع أشكال الحط من الكرامة البشرية(مثل الجهل والفقر والمرض، والخوف عامة).
وهنا يزاوج المفهوم المتبنى بين الحرية الفردية من جانب- وفي القلب منها الحريات المدنية والسياسية-وهي عماد الحرية في الفكر الليبرالي، مع التغاضي عن تطرف الليبرالية الجديدة، التي تطلق حرية رأس المال، دونما ضوابط اجتماعية، والذي ينتج آثاماً اجتماعية خطيرة- وبين العدل الاجتماعي، وهو القيمة العليا في التراث العربي الاسلامي، من جانب ثان. ..
وعلى مستوى المجتمع ينص المفهوم على صيانة حريات وحقوق الجماعات والثقافات الفرعية(عزوفاً عن استخدام مصطلح الأقليات المحمل بإرث تمييزي بغيض)
وعلى مستوى الوطن بكامله، يرتب المفهوم مكانة متميزة لضمان التحرر الوطني وتقرير المصير.
أي انتهاك على أي من هذه المستويات الثلاثة اذن يشكل انتقاصاً غير مقبول من الحرية.
وبذلك يغطي مفهوم التقرير للحرية مجالات منظمة حقوق الانسان( ممثلة
في القانون الدولي لحقوق الانسان)
ويرى التقرير أن حماية الحرية وتعزيزها يتطلب قيام نسق من الحكم الصالح يتميز بالسمات الثلاث الرئيسية التالية:
1-يحمي الحرية، فانتقاص الحرية، على أي من مستوياتها الثلاثة، يعني عدم صلاح الحكم حتى لو قامت مؤسسات "ديموقراطية"- وهذه نقيصة تعاني منها للأسف نظم الحكم العربية بالاضافة الى دول غربية كانت تعد في الماضي مثالاً للحرية في العالم كلله.
2-تمثيل الشعب بكامله، من خلال مؤسسات تتسم بالشفافية والافصاح والمساءلة أمام الناس كافة.
3- في ظل قانون حام للحرية ومنصف، يطبق على الجميع على حد سواء، ويقوم عليه قضاء نزيه ومستقل قطعاً.
نسق الحكم الصالح هذا، بالاضافة الى حماية الحرية بمفهومها الشامل، يضمن حقوق المواطنة غير منقوصة لجميع المواطنبن دون أي تفرقة. ويضمن، على وجه الخصوص، التداول السلمية للسلطة السياسية.
تشخيص حال الحرية والحكم في البلدان العربية في الوقت الراهن:
يخلص التقرير الى أن هناك انتقاصاً جسيماً من الحرية في الوطن العربي، بسبب مزيج من القصور التنموي، والاستبداد في الداخل والاستباحة من الخارج، يظهر، في الأساس، على صورة معمار قانوني وسياسي خانق للحرية. وينتهي التقرير الى أن لا الثقافة العربية، ولا الدين- خاصة الاسلام- تشكل عقبات رئيسية لاقامة مجتمع الحرية والحكم الصالح في الوطن العربي.
البنية القانونية: بعض الدساتير العربية، أو ما يقوم مقامها من وثائق قانونية عليا، تنتهك الحرية عياناً جهاراً بتضمنها نصوصاً مقيدة للحريات والحقوق الأساسية، بينما البعض الآخر يقر الحقوق والحريات ولكن يحيل الى القانون العادي ليقنن تقييدها.
وتتباهى الدول العربية بالتصديق على الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان ، ولكنها تتنصل من آليات حمايتها.
وهكذا تنتهي البنية القانونية والاجرائية القائمة في البلدان العربية، على وجه الخصوص، الى اهدار حقوق التعبير والتنظيم(حريات التجمع وانشاء المنظمات في المجتمعين المدني والسياسي)، وحرمان المواطن من قاضيه الطبيعي الاستثنائي والانتقاص من استقلال القضاء.
ويستشري في البلدان العربية الانتهاك الأفدح للحقوق والحريات العامة من خلال الافراط في اعلان حالة الطواريء التي تعطل ضمانات الحرية.
بينما بيت الداء في المعمار السياسي في البلدان العربية هو اختزال الدولة في الجهاز التنفيذي، بالتركيز على أجهزة الأمن. وفي كثير حالات تختزل الدولة في الفرد رأس الحكم الذي يتمتع بصلاحيات مطلقة، تفسد مطلقاً، ما أسماه التقرير دولة الثقب الأسود، التي لايفلت من أسارها شيء من محيطها المجتمعي. ويجري الاحتفاظ بالسلطة عبر تزاوج آليات القمع- الفساد- التهميش- الاستراتيجي لقوى المجتمع المدني(بالمعنى الواسع).
يتعرف التقرير كذلك على شريحتين مقيدتين للحرية في السياق المجتمعي للبلدان العربية:
الاولى سلسلة خنق الحرية الفردية وتتشكل من حلقات التنشئة في ظل العصبية، والتعليم المفتقد لقدرات النقد والابداع، والعمل النمطي الجامد تراتبياً، واحباط تعاطي السياسة في ظل القهر في الداخل وتنميط العولمة الوافدة من الخارج.
وعلى صعيد آخر، ساهمت القوى المهيمنة عالمياً في العالم وحيد القطب الراهن ، خاصة الإدارة الأميركية الحالية، في انتهاك الحرية في الوطن العربي، خاصة على الصعيد الوطني- وأبرز معالمه احتلال فلسطين والعراق وتصاعد الوجود العسكري، والنفوذ الأجنبي- وعبر دعمها لأصدقائها الحكام المستبدين في المنطقة بسبب ثلاثية: الاستعمار-النفط- اسرائيل.
وعلى وجه التحديد، قللت الادارة الأميركية الحالية من كفاءة منظمة الأمم المتحدة في الحفاظ على الأمن والسلام في العالم، خاصة في المنطقة العربية.
بدائل المستقبل والقوى التي يمكن أن تحمله:
يلخص التقرير حال الامة العربية الراهن على صورة ترقب ومخاض عسير، بين نظامين أوشك واحد أن يُقضى بينما الثاني لم يولد بعد، ينفتح على بدائل متعددة، بحيث يشكل مفترق طرق حاسماً في تاريخ الأمة.
ويطرح التقرير حدين أقصى للمستقبل العربي، أولهما كارثي بلا منازع والثاني سبيل للخلاص ينتهي بالعرب الى التمتع بالحرية والحكم الصالح بعد نضال يؤهلهم لولوج هذه الحالة الأرقى من الوجود البشري.
ينبني بديل الخراب الآتي على أن استمرار الاتجاهات الراهنة( من عجز تنموي وقهر في ظل الاستبداد في الداخل والاستباحة من الخارج) سبفضي الى مظالم تتراكم بدون وجود آليات سليمة وفاعالة لمجابهتها، مما يمثل دعوة للاحتجاج العنيف يمكن أن يؤدي الى خسائر مادية وانسانية لاتقبل مهما صغرت، هذا،في الواقع، أسوأ مصير يمكن أن يحل بالامة، ومن ثم يتعين على جميع العرب المخلصين العمل على تفادي وقوعه.
بينما يقوم البديل المفضل، الازدهار الانساني، على عملية تفاوض سلمية تستهدف اعادة توزيع القوة وبناء نسق حكم مؤسسي صالح تبدأ بمشهد مفتتح تُحترم فيه الحريات المفتاح للرأي والتعبير والتنظيم، وأهمها الأخيرة، مجتمعة، مما يؤدي الى قيام مجتمع مدني حيوي وفعال وصالح يشكل طليعة عملية التفاوض السلمي.
مع ملاحظة أن المستقبل سيقع في موقع مابين هذين الحدين الأقصى.
ولكن المستقبل الذي ستخبره الأمة العربية في السنين القادمة سيتوقف في المقام الأول، على أفعال القوى الحية في المجتمعات العربية منذ الآن. ودعوة تقرير "التنمية الانسانية العربية"هي ألا تتوانى القوى المجتمعية العربية المناصرة للحرية عن دورها التاريخي في قيادة مسيرة الأمة صوب مجتمع الحرية والحكم الصالح من خلال مسيرة تقارب بديل"الازدهار الانساني".
والاستنهاض موجه، على الخصوص، لفئة المثقفين التي لم ترق حتى الآن لمكانة"انتليجنسيا" تحريرية، في تأرجحها بين السلطة والشعب، وتفضيل كثير منها للقطب الأول وقوعاً بين فكي الترهيب والترغيب، بحيث تقاعست عن امتشاق دورها التحرري كضمير للأمة وطليعة لنضالها من أجل الحرية.
وستزداد فرص مسيرة الحرية والحكم الصالح بإقامة تحالفات قوية بين جميع القوى الوطنية المناهضة للاستبداد في مواجهة طاغوت الاستبداد وخدامه زبانية القهر.
اشكالية الطبقة الوسطى: احتلت "الطبقة الوسطى"، أياً كان تعريفها، في كتابات كثيرة موقعاً محورياً في حمل حركات النهضة، وأضفى بعض من هذه الكتابات حالة من الرومانسية الزائدة على دور الفئة الوسطى، نجم عنها، مع ضمور الفئة الوسطى في المجتمعات العربية بسبب سياسات اعادة هيكلة المجتمعات الغربية على النسق الرأسمالي الطليق، زيادة في جرعة التشاؤم من أن ينجلي المشهد العربي الراهن عن مسيرة حثيثة تجاه الحرية والحكم الصالح.
وغاب عن هذه النظرة المغالية في الرومانسية أن الفئة الوسطى، حالها كحال فئة المثقفين الذين ينتمون في الأغلب إليها، تتأرجح في موقع قلق بين الانتماء الى الشعب والنضال من أجل الحرية، وما يحمل من مغارم من ناحية، وبين التخديم على القوة(السلطة والثروة) وتدويم الراهن، وما يجلبه من مغانم آنية، من ناحية أخرى.
و عندي أن مسيرة الحرية في الوطن العربي لايجب أنم توكل الى شريحة اجتماعية معينة دون غيرها. على العكس، أرى أن كل شريحة اجتماعية تضم عناصر فاعلة، خاصة في شريحة الشباب، وأخرى خاملة، في منظور الحس الوطني والرغبة في النضال من أجل الحرية، والقدرة على
تجشم مشاقه وتحمل تكاليفه.
ومن ثم فإن الإمكان التحرري الأكبر يسكن في نظري تحالفاً ينشأ رأسياً في منظور التقسيم الاجتماعي، بين العناصر الفاعلة في الشرائح الاجتماعية كافة. ويمكن أن يقوم الاستخدام الكفء تقانات المعلومات والاتصال الحديثة بدور الرابط عبر التقسيمات الرأسية للبنية الاجتماعية في أشكال من التنظيم الشبكي غير القاصر على الأشكال الهرمية التراتبية التقليدية، وفي حركة"كفاية" مثلاً في مصر مثال في تقديري على هذا التحالف عبر الطبقي، خاصة بين الشباب، واسستغلال تقانات المعلومات والاتصال كليهما.
هل يريد العرب الحرية؟ العزوف عن اجتراع السياسة أمر منطقي في ظل الافقار المتعاظم- مما يشغل عامة الناس بالحصول على متطلبات الحياة التي تتزايد من ناحية ويتعذر الوفاء بها على مستوى لائق من ناحية أخرى-، ووحشبة القهر الذي تمارسه أنظمة الاستبداد.
ولكن يبقى تحت الرماد جمر متقد يغذي نيرانه الكامنة تراكم المظالم الناجمة عن ثلاثية" القصور والقهر والاستباحة" دون أن تجد قنوات سليمة وفعالة للتغلبب عليها.
المشكلة أن الناظر غير المدقق يخطيء الجمر ولا يرى إلا الرماد. ويتعمد من ينتمي موضوعياً الى بنى الاستبداد الراهنة أن يصرف النظر عن الجمر متوقفاً عند رقيقة من الرماد، إما رياءً للطغم الحاكمة أو حفاظاً علىمصالح مستمدة من نفاقهم.
ولكن من يخطيء وجود الجمر تحت الرماد، يقع في خطأ غشى البصيرة. ومن لايريد أن يرى إلا الرماد، يدفع باهظاً في حكم التاريخ على انعدام بصيرته.
والواقع يكذب كليهما. فان لم يكن إلا الرماد فلم تلجأ طواغيت القهر الى ملء السجون والى انتهاك آدمية البشربأشكال من التعذيب يندى لها جبين الانسانية. وكثير من أنظمة الحكم العربية قد تخطت حاجز الدم.، بازهاق أرواح بريئة لم يكن لها من ذنب إلا التعبير، وفي أحيان سلمياً، عن الغضب المكبوت الناجم عن مظالم الحكم الاستبدادي، بعد أن يئست تماماً من إمكان وجود حلول سلمية فعالة تتطلب إصلاحاً تحجم عنه أنظمة الحكم الاستبدادي. و"من قتل نفساً بغير حق كمن قتل الناس جميعاً".
وتخطت بعض أنظمة الاستبداد كذلك حاجز الحياء والانسانية من خلال تشجيع بعض من أحط أدواتهم على المساس بأعراض مواطنات أثناء ممارستهن لحقهن الدستوري في التعبير السلمي.
والعلامة الأوضح على فقدان بصيرة من لا يرى الجمر هي في تصاعد أشكال الاحتجاج على مظالم الحكم الاستبدادي ومنتهكي الحرية على الرغم من بشاعة القهر والتنكيل، في عموم الوطن العربي من مقاومة الاحتلال في فلسطين والعراق، ومظاهرات "الأرز" في لبنان، والاعتراض على التطبيع مع اسرائيل في تونس وموريتانيا، وانتفاضات القضاة والمحامين وأساتذة الجامعات والاخوان و"كفاية" في مصر، ناهيك عن أشكال الاحتجاج العنيف حتي في بلدان الوفرة النفطية مثل السعودية والكويت وغيرهما.
وليس في هذا كله إلا تأكيد جازم على أن الجمر الراقد تحت الرماد يستفيد من أي هبة ريح محملة بالاكسجين، أو أي ثغرة في متاريس الاستبداد، ليضطرم ناراً يؤمل أن تطهر أرض الوطن من القهر.
هل ستسمح أنظمة الحكم الراهنة ببدء مسيرة التحول نحو الحرية؟
قطعاً لن تسمح أنظمة الحكم الراهنة طواعية، بإفساح الساحة المجتمعية وإتاحة الشرط الابتدائي لبدء مسيرة الاصلاح السياسي العميق، من خلال قيام مجتمع مدني قوي وفعال يقود مسيرة الاصلاح، ونقصد الاحترام البات للحريات المفتاح للرأي والتعبير والتنظيم، خاصة الأخيرة.
والسبب واضح وبسيط فالخسارة الحتمية في نصيب الشلل المتنفذة في هيكل القوة المختل الراهن من القوة ( بوجهيها السلطة السياسية والثروة) نتيجة لإعادة توزيع القوة لمصلحة الشعبب عامة واقامة نسق حكم مؤسسي صالح، هما محورا الأساس لأي اصلاح عميق يتوخى التحول نحو مجتمع الحرية والحكم الصالح. هذه الخسارة من الجسامة بمكان بحيث ستسعى الشلل المتنفذة حالياً الى تفاديها إن أمكن أو تأجيلها الى أبعد مدى زمني ممكن. وليست هذه الخسارة إلا تعبيراً عن الظلم الفادح الذي يوقعه هيكل القوة الراهن على الشعب عامة، بحرمانه من نصيبه العادل من القوة، والغبن الأكيد المضمون في استثارة القلة المتنفذة بالنصيب الأكبر من القوة في المجتمع على قلة عددها وضعف مساهمتها في نتاج مقومات القوة في المجتمع.
والخشية أن عمد الحكم الاستبدادي الراهن ستسعى الى تشديد قبضة القهر بحجة الأمن والاستقرار تعلة وغطاء لمحاولتهم الاستمرار في الاستئثار بالقوة ظناً منهم أنها ستدوم ما اشتدوا في قهر الناس والمقاومة المتصاعدة، ناسين أو متناسين الحكمة العربية القديمة"لو دامت لغيرك ما وصلت أليك"
وجاهلين بدروس التاريخ القديم والمعاصر. وهذا شأن الطواغيت دائماً يمنون النفس باحكامهم القبضة، حتى تميد الأرض من تحت أقدامهم بلا راد لها.
والخوف، كل الخوف، ان هذا التوجه المكابر يعني، في تحليل تقرير "التنمية الانسانية العربية" إقحام البلدان العربية في دوامة العنف المدمر التي يطلقها بديل"الخراب الآتي".
مأساة هذه الشلل المهيمنة في أنظمة الحكم الاستبدادية الراهنة أنه محكوم عيها لامناص. ومأساة الأوطان أن تظل هذه الشلل سادرة في غيها، قابضة على نصيبها الظالم من القوة ولو انتهى الأمر بها بخراب مقيم.
يبقى احتمال، لكنه يبدو على ضوء خبرة التاريخ ضئيلاً، أن بقية من وطنية أو انسانية ربما ستجعل الشلل المتنفذة حالياً تفيق الى هول الخراب الذي ستجره المكابرة لا محالة، وتيسر بدء مسيرة الاصلاح.
فقدر الطغاة كان دائماً التشبث بالعروش الى أن بقضوا عليها وان أدى ذلك الى القضاء على الأخضر واليابس. وهنا تكمن مأساة الأوطلن الواقعة تحت حكم الطواغيت، وتتبلور المهمة الوطنية الأولى للنخب الوطنية في منع هذا البديل الكارثي بالسبل السلمية كافة.
فتفادي المآسي التي يمكن أن تحل بالوطن وفق هذا البديل الكارثي يقع على عاتق النخب الوطنية المخلصة والمناصرة للحرية، وستفلح فيه أكيداً إن نجحت في إقامة التحالفات المناهضة للاستبداد التي أسلفنا الاشارة لها. عندها يمكن لتحالف الحرية هذا أن يدير مرحلة نضال افتتاحية تمهد لبدء مسيرة الاصلاج في العمق، مبدعة اثناءه تقاليدها النضالية الخاصة.
والمضمون الأساسي لهذا المشهد المفتتح هو التصعيد المطرد، بجميع الوسائل السلمية، لوتائر العصيان السياسي والمدني، وصولاً الى العصيان المدني الشامل، كوسائل للضغط على نسق الحكم الراهن حتى لايجد سبيلاً إلا التسليم بعدم مقاومة حركة الاصلاح. وتندرج تحت هذا المشهد على وجه الخصوص المطالبة المثابرة والمتصاعدة، بانسحاب شخصيات معينة تعد من عمد نسق الحكم الاستبدادي، من الساحة العامة. ويمكن أن يزيد احتمال ذلك الانسحاب بعقد محاكمات شعبية لعمد نظم الحكم الحالية المتورطين في التنكيل بالشعب والفساد.
مختتم (خاتمة): "يا ليتني بذرت كل حب أفكاري في الأرض الخصب لأفكار الناس، خيراً من تضييع هذا الحب النافع المعطاء في التربة المالح العقيم للسلطات العاجزة، اذ لم ينبت قط ما بذرت في هذه التربة الفاسدة واندثر..إن هيكل الحكم المطلق يوشك أن ينهار، فناضل قدر حهدك لتدمير أسسه، وليس نزع عناصر مفردة له والتخلص منها".(جمال الدين الأفغاني)

قد يبدو من الصفحات السابقة ان دون ديار مجتمع الحرية والحكم الصالح في البلدان العربية، أهوال. وهذا صحيح، لا مراء.
وقد اشرنا في الصفحات السابقة الى أهمية دور الطليعة المجتمعية، وواجباتها. إن تجاوز الواقع العربي المر، يتطلب أن يكون المثقفون، على وجه الخصوص، حراباً تهتك أستار العفن الكثيفة التي تغلف الوجود العربي في الحقبة الراهنة، توقاً الى بدبل انساني أرقى للشعب العربي. وهذا دور طليعة المثقفين. فالحراب دائماً اختراق وتجاوز.
ولسوف تتعرض هذه الطليعة لا محالة لمعاناة ومخاطر، لكن يكفيها مغنماً أن تعيش ثراء الوجود الانساني الى منتهاه، وهو لا يكون إلا في الحياة مع الخطر متزاوجة مع خدمة الوطن، وأن تسهم في تخليق مشروع عربي للنهضة يخلص الأمة من ربقة الاستباحة والمهانة. ولكن لكي يتحقق هذا، لابد من أن تمد هذه الطليعة جذوراً قوية الى الدوائر الأوسع، من المثقفين والشعب العربي، تستقي منها غذاء وحماية، وتفرز لها رحيقاً فكرياً يكون للأزمة الحالة ترياقاً إن تصور الحرية المقدم فيما سبق ليس إلا رؤية جميلة. الواقع الكريه يحض عليها، ولكنه أيضاً يعيق تحققها.
ومعضل الحرية في الوطن العربي في الوقت الراهن هو عدم توافر البنى السياسية القادرة على أن تحمل نطفة الخلاص، وأن تنميها، وتنمو بها، على درب التنمية.
ولهذا سيبقى التمتع بالحرية في الوطن العربي مجرد رؤية حتى تقوم قوى سياسية تتبنى مشروعاً تاريخياً للنهضة وتستطيع أن تقدم متطلباته، ومن أهمها اطلاق طاقات البشر في أرجاء الوطن قاطبة عبر تكريس الحرية كما نفهمها. فالنضال من أجل الحرية ينطوي على كفاح ضد النخب المهيمنة في الداخل وضد المراكز المسبطرة في النظام العالمي، لا يمكن أن يوفر له المنعة إلا القوة المعنوية الهائلة التي تنتج من التحام الشعب بنخبة سياسية مناضلة من أجل الحرية والتنمية الانسانية.


لنناضل من أجل إطلاق سراح رفيقنا عبد العزيز الخير
ورفيقنا محمد ديب



#حزب_العمل_الشيوعي_في_سورية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان اثر اعتقال بعض ناشطي (خميس الاعتصام) في طرطوس
- نداء إلى أبناء وطننا السوري حيال أحداث القدموس الثانية
- الآن العدد 29
- بيان صادر عن حزب العمل الشيوعي ـ المكتب السياسي
- الآن العدد28
- بيان من حزب العمل الشيوعي
- الآن العدد (27) أيار
- نشرة الآن العدد 26
- الوطن في خطر دعــوة الى حـوار وعمــل انقـاذي مشتـــرك
- العدد 25نشرة الآن
- نشرة الآن- العدد 24
- الآن
- الآن العدد 22 / تشرين الأول 2004
- الآن – العدد 21 – أيلول 2004
- حزب العمل الشيوعي في سورية يتقدم بورقة حوارية وموقف من -الور ...
- -بيان- حول مسألة حزب يساري من طراز جديد
- - ورقة دعوة- من أجل المساهمة الندية والديموقراطية
- أهلاً بالرفيق عماد شيحا معنا وأهلاً قريبة بالرفيق عبد العزيز ...
- نداء بصوت أعلى من أجل تطوير حركة المعارضة الديمقراطية
- بيــــــان حول أحداث القا مشلي من حزب العمل الشيوعي في سوريا


المزيد.....




- سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك ...
- شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحاول أن يصبح أصغر شخص يطير حول ا ...
- مصر.. أحمد موسى يكشف تفاصيل بمخطط اغتياله ومحاكمة متهمين.. و ...
- خبير يوضح سبب سحب الجيش الأوكراني دبابات أبرامز من خط المواج ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا لـ-حزب الله- في جنوب لبنان (فيد ...
- مسؤول قطري كبير يكشف كواليس مفاوضات حرب غزة والجهة التي تعطل ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع ومظاهرات في إسرائيل ضد حكومة ن ...
- كبح العطس: هل هو خطير حقا أم أنه مجرد قصة رعب من نسج الخيال؟ ...
- الرئيس يعد والحكومة تتهرب.. البرتغال ترفض دفع تعويضات العبود ...
- الجيش البريطاني يخطط للتسلح بصواريخ فرط صوتية محلية الصنع


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حزب العمل الشيوعي في سورية - الآن -العدد (31) أيلول 2005